مقال

شعاع من نور ومع رأفة بالشباب ” الجزء الثانى

شعاع من نور ومع رأفة بالشباب ” الجزء الثانى ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع رأفة بالشباب، وإنه لا شك أن الزواج ضرورة من ضروريات الحياة، إذ به تحصل مصالح الدين والدنيا، ويحصل به الارتباط بين الناس، وبسببه تحصل المودة والتراحم

ويسكن الزوج إلى زوجته، والزوجة إلى زوجها، فقال الله تعالى فى سورة الروم ” ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن فى ذلك لآيات لقوم يتفكرون” وبالتزوج يحصل تكثير النسل المندوب إلى طلبه، فقال صلى الله عليه وسلم “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم” وكما أن النكاح سنة خاتم النبيين، فهو كذلك سنة المرسلين من قَبل، فقال الله عز وجل فى سورة الرعد “ولقد أرسلنا رسلنا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية” ففى النكاح امتثال أمر الله ورسوله، وبامتثال أمر الله ورسوله تتحقق الرحمة والفلاح في الدنيا والآخرة، وفي النكاح قضاء الوطر، وفرح النفس، وسرور القلب، وفيه تحصين الفرج، وحماية العرض، وغض البصر، والبعد عن الفتنة، والنكاح من أسباب الغنى وكثرة الرزق.

 

ولكن فإن هناك عقبة كؤود تحول بين الشباب وبين تحقيق هذه المصالح العظيمة، حتى صار الزواج عند الشباب من الأمور الشاقة أو المستحيلة، وهذا العائق هو المغالاة في المهور، فقد أصبح المعوق الرئيسي أمام الشباب، والمانع من التقدم إلى الزواج، ولقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف الصداق، فقال “خير الصداق أيسره” وجعل النبي صلى الله عليه وسلم أهم أمر فى قبول الشاب الخاطب الخُلق والدين، لا المال والدنيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إذا خطب إليكم مَن ترضون دينه وخلقه، فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة على رجل فقير ليس عنده شيء من المال بما معه من القرآن، بعد أن قال له” التمِس ولو خاتما من حديد” فلم يجد شيئا، وتزوج عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه امرأة على وزن نواة من ذهب، وإن المهر ملكية خاصة للزوجة وعلى الأسر عدم المبالغة فى الجهاز و المسكن.

 

وإن سلامة التيسير فى تكاليف الزواج يجلب البركة، وإن الزواج فى الإسلام مبنى على المهر، حيث إن للعروس مهرا يعد حقها الشرعى الذى أوجبه الله لها، وأن فكرة قائمة المنقولات، التى ظهرت مؤخرا، تعد أمرا يأتى بالعرف والتراضى والاتفاق بين الأطراف، ويتم تسجيلها فى الزواج، حال تم الاتفاق على أن والد العروس يشترى أشياء بعينها، وأنه حال رفض والد العروس تحمل جزء من تكاليف الزواج تستحق ابنته شرعا المهر فقط، على أن يتكفل العريس بتجهيز منزل الزوجية بقدر استطاعته، لكن العُرف أن الطرفين يتفقان على تحمل كل منها جزءا ويوضع فى القائمة، وأن العلاقة فى الزواج تقوم على التيسير، وأن التيسير فى تكاليف الزواج يجلب البركة، لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” إن أعظم النكاح بركة أيسرة مؤنة” وأن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة، وأن الأصل فى تجهيز منزل الزوجية يقع على الزوج لأنه مُلزم شرعا بنفقات زوجته من طعام وكسوة ومسكن وغير ذلك من جهات النفقة الثابتة عليه شرعا.

 

فلا هو واجب على الزوجة لأن مهرها حق خالص لها ليس لزوجها أو غيره أن يطالبها منه بشيء، إلا إن كان الزوج قد قَدّم لها مالا زائدا عن المهر بغرض إعداد جهاز الزوجية، فيا أيها القادر لا تغال فى المهر ولا تفاخر فى الزيادة فيه فإن فى مجتمعك من إخوانك من لا يستطيع مباراتك فالأولى أن تأخذ بالأيسر اتباعا للمشروع وتحريا لبركة النكاح، ورأفة بإخوانك الذين يعجزون عما تقدر عليه، وإذا دخلت على أهلك ورغبت فأعطهم شيئا ولو أننا نسلك طريقة لتسهيل الأمر، وتخفيف حدة المغالاة بتأجيل بعض المهر بأن تقدم من المهر ما دعت الحاجة إليه في النكاح، وتؤجل الباقي في ذمة الزوج لكان هذا جائزا وحسنا، وفي ذلك تسهيل على الزوج ومصلحة للزوجة، فإن ذلك أدعى لبقائها معه، لأنه لو طلقها لحل المهر المؤجل إذا لم يكن له أجل معين فانظروا هذه المشكلة بعين الاعتبار ولا تجعلوا المهور محلا للمفاخرة والمباهاة ويسروا يسر الله عليكم، ولقد مهر الرسول عليه الصلاة والسلام لزوجاته أمهات المؤمنين.

 

ومهر بناته، ومهر الصحابيات رضي الله عنهن ولم يتعد اثنتي عشرة أوقية، فعن أبي سلمة بن عبدالرحمن، أنه قال سألت السيدة عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت “كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشّا، قالت أتدري ما النش؟ قال قلت لا، قالت نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه” وعن أبي العجفاء السلمي، قال خطبنا عمر رحمه الله، فقال “ألا لا تغالوا بصُدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أَولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقَت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية” وجاء عند النسائى عن أنس رضي الله عنه قال “خطب أبو طلحة أم سليم، فقالت والله ما مثلك يا أبا طلحة يُرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك مهرى، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها.

 

قال ثابت فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم، الإسلام، فدخل بها فولدت له” وقال ابن القيم رحمه الله “فتضمن هذا الحديث أن الصداق لا يتقدر أقله، وأن قبضة السويق وخاتم الحديد والنعلين يصح تسميتها مهرا، وتحل بها الزوجة، وتضمن أن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره” وهذا سعيد بن المسيب، سيد التابعين رحمه الله، خطب ابنته الخليفة عبدالملك بن مروان لابنه الوليد، فأبى عليه، وزوّجها لتلميذه عبدالله بن أبي وداعة، فيقول كنت أجالس سعيد بن المسيب، ففقدني أياما، فلما جئته، قال أين كنت؟ قلت توفيت أهلي، فاشتغلت بها، فقال ألا أخبرتنا، فشهدناها؟ ثم قال هل استحدثت امرأة؟ فقلت يرحمك الله، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال أنا، فقلت وتفعل؟ قال نعم، ثم تحمّد، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وزوجني على درهمين، فقمت، وما أدرى ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلى، وجعلت أتفكر فيمن أستدين، فصليت المغرب، ورجعت إلى منزلى.

 

وكنت وحدي صائما، فقدمت عشائي أفطر، وكان خبزا وزيتا، فإذا بابي يُقرع، فقلت من هذا؟ فقال سعيد، فأفكرت في كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيب، فإنه لم يُرى أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فخرجت، فإذا سعيد، فظننت أنه قد بدا له، فقلت يا أبا محمد، ألا أرسلت إليّ فآتيك؟ قال لا، أنت أحق أن تؤتى، إنك كنت رجلا عزبا، فتزوجت، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك، وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذ بيدها، فدفعها في الباب، وردّ الباب، فسقطت المرأة من الحياء، فاستوثقت من الباب، ثم وضعت القصعة في ظل السراج لكيلا تراها، ثم صعدت السطح، فرميت الجيران، فجاؤوني، فقالوا ما شأنك؟ فأخبرتهم، ونزلوا إليها، وبلغ أمي، فجاءت، وقالت وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثًا، ثم دخلت بها، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظ الناس لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق زوج، فمكثت شهرا لا آتي سعيد بن المسيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى