مقال

شعاع من نور ومع رأفة بالشباب ” الجزء الثالث

شعاع من نور ومع رأفة بالشباب ” الجزء الثالث ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع رأفة بالشباب، وقد توقفنا مع عبد الله بن أبى وداعة عندما قال فمكثت شهرا لا آتي سعيد بن المسيب، ثم أتيته وهو في حلقته، فسلمت، فرد عليّ السلام، ولم يكلمني حتى تقوض المجلس، فلما لم يبقى غيرى، قال ما حال ذلك الإنسان؟ قلت خير يا أبا محمد، على ما يحب الصديق، ويكره العدو، قال إن رابك شيء، فالعصا، فانصرفت إلى منزلي، فوجه إليّ بعشرين ألف درهم، ولقد أمر الله تبارك وتعالى بإنكاح الأيامى أمرا مطلقا ليعم الغني والفقير، وبيّن أن الفقر لا يمنع التزويج، فالأرزاق بيده سبحانه، وهو قادر على تغيير حال الفقير حتى يصبح غنيا، وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد رغبت في الزواج وحثت عليه، فإن على المسلمين أن يبادروا إلى امتثال أمر الله وأمرِ رسوله صلى الله عليه وسلم بتيسير الزواج وعدم التكلف فيه، وبذلك ينجز الله لهم ما وعدهم، وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه “أطيعوا اللهَ فيما أمركم به من النكاح، ينجز لكم ما وعدكم من الغنى” فإن غلاء المهور سبب رئيسى لقلة الزواج.

 

وكثرة الأيامى، وانتشار الفساد، والتبرج والسفور، والفتن والعرى، والشهوات والرذائل، وانتشار الزنا وتنوع الشذوذ، وانتشار العنوسة، وظهور الأمراض الاجتماعية والنفسية، والفقر وعدم البركة في الزواج، وإن غلاء المهور هو غش من الولي لموليته، وعدم إدراك لقيمة الزواج وأهدافه الرئيسية، وإن المغالاة في المهور تجعل الزوجة كأنها سلعة تباع وتشترى، مما يخل بالمروءة، وينافي الشيم ومكارم الأخلاق، ولو عقل المغالون في المهور، لبحثوا هم لبناتهم عن الأزواج الأكفاء، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة على عثمان ليتزوجها، ثم على أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما “أن عمر بن الخطاب حين تأيّمت حفصة بنت عمر من خُنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوفى بالمدينة، فقال عمر بن الخطاب أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال سأنظر في أمرى، فلبثت ليالي ثم لقينى.

 

فقال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر فلقيت أبا بكر الصديق فقلت إن شئت زوّجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليّ شيئا، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالى ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليّ حفصة فلم أرجع إليك شيئا، قال عمر قلت نعم، قال أبو بكر فإنه لم يمنعنى أن أرجع إليك فيما عرضت عليّ إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله عليه وسلم قبلتها” وهذا نبى الله شعيب عليه السلام يعرض ابنته على نبى الله موسى عليه السلام المطارد من فرعون وقومه، فيقول تعالى فى سورة القصص ” قال إنى أريد أن أنكحك إحدى ابنتى هاتين” وإن عدم إدراك بعض الأولياء لقيمة الزواج وأهدافه الرئيسية كالسكن والرحمة والمودة، وكالاستمتاع والإنجاب، وتربية الأولاد الصالحين، والتقارب الاجتماعى وغض البصر.

 

وحفظ الفرج، وإشاعة الفضيلة والحد من الرذيلة فى المجتمع، وغيرها من الأهداف يقحم كثيرا من الأولياء إلى المغالاة في المهور، والجدير بهم كمسلمين أن يستشعروا ويستحضروا هذه الأهداف النبيلة، لتكون لهم دافعا لتحصين الشباب وتزويجهم، وإن من الأسباب التى تجر إلى المغالاة في المهور هو تغير النظرة إلى الزوج الكفء، فربما نظر البعض إلى أن الكفاءة هي المال، فتصبح عملية الزواج عملية بيع وشراء، الرابح فيها من يكسب المال الكثير، والشارع اعتبر في الزوج خصلتين عظيمتين حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم “إذا خطب إليكم مَن ترضون دينه وخُلقه، فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض” والعجب كل العجب ممن يزوج ابنته مَن لا يصلي ولا يخاف ربه من أجل غناه وكثرة ماله، في الوقت الذى يرفض الرجل الصالح لعدم غناه، وإن من أسباب المغالاة فى المهور التقليد الذى سلب الناس تفكيرهم، فما عمله فلان، لا بد أن يعمله هو وزيادة، أفلا يقتدى هؤلاء بما عمله الرحمة المهداة.

 

صلى الله عليه وسلم؟ أفلا يتأسى هؤلاء بما فعله الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين؟ فإن مشكلة غلاء المهور تحتاج إلى نية صادقة، وهمة عالية، ونبذ العادات والتقاليد، والانقياد إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بالصحابة الكرام والسلف الصلح رضوان الله عليهم أجمعين، ولقد ضرب النبى صلى الله عليه وسلم لأمته المثل الأعلى فى ذلك، حتى ترسخ في المجتمع النظرة الصادقة لحقائق الأمور، وتشيع بين الناس روح السهولة واليسر، وروى أبو داود والنسائى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن على قال تزوجت فاطمة رضى الله عنها، فقلت يا رسول الله، ابنِ بى وهو الدخول بالزوجة، قال “أعطها شيئا” قلت ما عندى من شيء، قال “فأين درعك الحطمية؟” قلت هي عندى، قال “فأعطها إياه” فهذا كان مهر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة، وهذا يؤكد أن الصداق في الإسلام ليس مقصودا لذاته، فاتقوا الله، وساهموا فى بناء مجتمعكم بناء صحيحا، عبر تشجيع الزواج فيه ودعمه.

 

وتخفيف عبئه وتكاليفه، فإن فى مجتمعنا مشكلة من أهم المشاكل كل من سمعناه يشكو منها عند ذكرها ويود بكل قلبه أن يسلك الناس طريقا إلى حلها، ألا وهي مشكلة الزواج، فإنها مشكلة من وجهين، فمن جهة المغالاة في المهور والتزايد فيها وجعلها محلا للمفاخرة حتى بلغت إلى الحال التي هي عليها الآن، ولقد صار بعض الناس الآن يزيد في تطويرها ويدخل في المهر أشياء جديدة تزيد الأمر كلفة وصعوبة حتى أصبح المهر في الوقت الحاضر مما يتعسر أو يتعذر على كثير من الناس، فتجد الكثير يتعب تعبا كبيرا في أول حياته وعنفوان شبابه ولا يكاد يدرك ما يحصل به المرأة التي تحصنه، كل هذا بسبب هذا التصاعد الذى لا داعى له فى المهور، وهذا مما يعوق عن النكاح الذي أمر الله به ورسوله وهو خلاف المشروع، فإن المشروع في المهور تخفيفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم “أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة” وقد تزوجت امرأة بنعلين فأجاز النبى صلى الله عليه وسلم نكاحها” وقال صلى الله عليه وسلم لرجل.

 

” التمس ولو خاتما من حديد ” فالتمس فلم يجد شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” هل معك شيء من القرآن؟ قال نعم سورة كذا وكذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم” زوجتكما أو قال ملكتكها بما معك من القرآن” وقال له رجل يا رسول الله إني تزوجت امرأة على أربع أواق يعنى مئة وستين درهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم على أربع أواق، كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل، ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه” وقال أمير المؤمنين عمررضي الله عنه لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم” وأما الوجه الثانى من هذه المشكلة فهى امتناع الأولياء من قبول الخطاب، فإن بعض الأولياء يمتنع من تزويج من له عليها ولاية، وهذا لا يجوز إذا كان الخاطب كفؤا ورضيته المخطوبة لقوله تعالى في المطلقات إذا أراد زوجها نكاحها بعد تمام العدة كما جاء فى سورة البقرة ” فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى