صحه

بعد لقاحات كورونا.. هل يصبح العالم على موعد قريب مع لقاح الملاريا

بعد لقاحات كورونا.. هل يصبح العالم على موعد قريب مع لقاح الملاريا؟

 

كتب/السيد شحاتة

 

400 ألف شخص! هذا هو الرقم التقريبي لعدد المتوفيين سنويًا بمرض الملاريا، نسبة كبيرة منهم من الأطفال وأغلبهم في قارة أفريقيا

مرض الملاريا الذي ينتقل إلى البشر عبر البعوض، والذي نعرفه منذ عشرات السنوات، ليس مرضًا جديدًا، فقد أثبتت إحدى الدراسات العلمية أن الإصابة بمرض الملاريا حدثت قبل الميلاد بحوالي 2400 عام!

 

وعلى الرغم من أن جائحة كورونا سحبت كل الأنظار والجهود العلمية في الوقت الحالي؛ إلا أن حفنة من العلماء بذلوا جهودًا مُضنية في السنوات الأخيرة حتى توصلوا إلى لقاح جديد مرُشح بقوة، كي يساعد مُتلقيه على تجنب الإصابة بالمرض، وقد حققت التجارب المعملية والميدانية حتى الآن، نسبة نجاح تصل إلى 77%.

 

عشرات السنين من الأبحاث.. لماذا تأخر لقاح الملاريا؟

في عام 1897 توصل الإنسان لأول حقيقة علمية مثبتة عن الملاريا؛ عندما اكتشف طبيب بريطاني أن المرض ينتقل للإنسان عن طريق البعوض (الناموس)، الذي يعتبر بمثابة «عائل/(Vector)» للمرض. والعائل أو الـ(Vector) هو الكائن الوسيط الذي يقضي فيه الطُفيل المسبب للمرض جزءًا من دورة حياته، يتحور فيه إلى المُمرِض الذي ينتقل إلى الإنسان في المرحلة الثانية مُسببا له المرض.

 

وجود البعوض باعتباره عائلًا وسيطًا قبل مرحلة إصابة الإنسان بالمرض؛ صعّب من مهمة العلماء في التوصل إلى لقاح فعال ضد الملاريا، بسبب التعقيد في عملية العدوى واختلاف تحويرات الطُفيل المسبب للمرض؛ إذ من الصعب تحديد المرحلة التي يمكن يهاجم فيها اللقاح طفيل الملاريا.

 

Embed from Getty Images

 

في عام 1967 كان العالم مع الموعد للتجربة الأولى في الطريق الطويل للبحث عن لقاح، عندما قام أحد العلماء بتعريض طفيليات الملاريا «الميتة» إلى الإشعاع، وتحديدًا أشعة جاما. ثم قام بحقن هذه الطُفيلات في فأر، وبعد ذلك حُقن الفأر بطفيليات الملاريا، ولكن في صورة حية تُسبب المرض؛ وكانت النتيجة أن الفأر أظهر مقاومة للمرض، ولم تحدث له الأصابة.

 

بعد 35 عامًا وتحديدًا في عام 2002، استخدم العلماء تقنية الإشعاع في محاولة القضاء على طُفيل الملاريا؛ لكن على الإنسان هذه المرة، إلا أن التجربة كانت مختلفة. وفيها قام العلماء بتعريض البعوض الحامل للطفيل إلى الإشعاع، وبعد ذلك منح العلماء الفرصة لهذا البعوض لنقل المرض إلى مجموعة المتطوعين، ولم يُصب أي منهم بالمرض؛ لأن الطُفيل بعد التعرض للإشعاع أصبح غير فعال.

 

كان الهدف الثاني من هذه التقنية أنه في حالة انتقال الطفيل غير الفعال إلى الإنسان سوف يقوم الإنسان بإنتاج أجسام مضادة للملاريا، وعندما يتعرض للعض مرة أخرى من قبل بعوضة، فسوف تنتقل هذه الأجسام المضادة إلى البعوضة، والتي سوف تقوم بنقلها لأي إنسان آخر تقوم بعضه، وهكذا تنتقل الحماية بين البشر من خلال البعوض.

 

على الرغم من أن تقنية الإشعاع أثبتت صحتها على التجارب الصغيرة؛ إلا أنها لم تثبت فعالية على النطاق الواسع، وكانت مكلفة بشكل كبير؛ ولذلك لم يتابع العلماء بالبحث في تقنية الإشعاع، وانصرفوا إلى البحث عن طرق أخرى لحماية الإنسان من الملاريا.

 

مهاجمة الطفيل في جسم الإنسان هي الحل

محاولة القضاء على الطُفيل المسبب للملاريا في البعوض لم تجد نفعًا؛ لذلك اتجه العلماء إلى تطوير لقاحات تهدف إلى القضاء على طفيل الملاريا بعد حدوث الإصابة في جسم الإنسان.

 

لكن قبل أن نتطرق إلى اللقاحات التي أبرزت نجاح ونتائج إيجابية؛ علينا أن نتناول آلية انتشار الطفيل في جسم الإنسان. فبعد انتقال الطفيل إلى دم الإنسان يتجه مباشرة إلى الكبد، وتأخذ هذه العملية ساعة واحدة فقط تقريبًا. ثم يتكاثر الطفيل بسرعة شديدة بخلايا الكبد في عملية تعرف باسم «Pre-Erythrocytic Infection Stage» أو مرحلة الإصابة التي تسبق سيطرة الطُفيل على كرات الدم الحمراء.

 

بعد التكاثر بكميات ضخمة وتدمير الملايين من خلايا الكبد؛ تنتقل الطُفيلات إلى كرات الدم الحمراء التي تحمل العناصر الغذائية والأكسجين وتنقلها إلى كافة خلايا الجسم. لا ينتظر الطفيل أن يصل إلى خلايا الأعضاء الأخرى كي يفعل بها ما فعله بخلايا الكبد، بل يبدأ عمليات تكاثر جديدة وتدمير تستهدف كرات الدم الحمراء، وهذه العملية تعرف باسم «Erythrocytic Infection Stage».

 

على الرغم من أن العلماء يعملون منذ عقود على تطوير لقاحات يمكنها مهاجمة الطُفيل في أي مرحلة من مرحلتي العدوى في الإنسان؛ إلا أن اللقاح الذي أظهر إيجابية وفاعلية كان لقاح «RTS,S» وهو لقاح جرى تطويره لأول مرة عام 2002، وبعد تجارب الأمان المعملية؛ بدأت التجارب الميدانية الموسعة عام 2011؛ وعند التجربة أظهر فاعلية بنسبة من 47% إلى 53%.

 

ولأن الأطفال هم الأكثر ضررًا من الملاريا، نُفذت التجارب الميدانية على مجموعة كبيرة من الأطفال في 11 دولة أفريقية مختلفة. وفي أكتوبر(تشرين الأول) عام 2011، صدرت النتائج الأولية للتجارب الموسعة، وكانت النتيجة أن اللقاح نجح في تقليل خطر الإصابة بالملاريا السريرية، والملاريا الحادة، بنسبة في الأطفال الذين تراوحت أعمارهم بين خمسة و17 شهرًا، وأدى التطعيم إلى تقليل خطر الإصابة بالملاريا السريرية والملاريا الحادة بنسبة تراوحت بين 47% و53%

 

لكن في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2012، صدرت نتائج أخرى عن تجارب أجريت على مجموعة من الأطفال الرضع تراوحت أعمارهم بين شهر ونص وثلاثة أشهر، ومع الأسف أظهر اللقاح فاعلية أقل بكثير من المجموعة الأخرى

 

لذلك لم يعتمد لقاح «RTS,S» رسميًا لمواجهة الملاريا، فيما تعهد القائمون على لقاح «RTS,S» بتطويره حتى تصبح نسبة نجاحه 80% بحلول عام 2025.

 

لكن في عام 2019 بدأ مجموعة من العلماء والباحثين في جامعة أوكسفورد البريطانية بتطوير نسخة جديدة من لقاح «RTS,S» باسم «R21»، واستمرت التجارب لمدة عامين حتى خرجت النتائج الإيجابية منذ أسابيع قليلة.

 

أجريت التجارب الميدانية للقاح الجديد على 450 طفلًا تتراوح أعمارهم بين خمسة شهور و17 شهرًا في ثلاثة دول أفريقية هي مالاوي، وغانا، وكينيا، وجاءت النتيجة أن اللقاح حقق نسبة نجاح وصلت إلى 77%، وهي النسبة التي تجاوزت نسبة نجاح اللقاحات التي تحددها منظمة الصحة العالمية، وهي 75%.

 

وما يميز لقاح «R21» بالإضافة إلى قوته؛ أنه أيضًا أقل تكلفة عن لقاح «RTS,S»، ومن المتوقع أن يتوسع القائمين على اللقاح في التجارب الميدانية، حتى يتم اعتماده بشكل رسمي لقاحًا للملاريا في حال استمرار الوصول لنسبة الفعالية التي تتجاوز النسبة 75% المعلنة من قبل منظمة الصحة العالمية، فهل يصبح العلم على موعد قريب جدًا مع لقاح الملاريا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى