مقال

نفحات إسلامية ومع كفّ الأذى عن الناس ” الجزء التاسع

نفحات إسلامية ومع كفّ الأذى عن الناس ” الجزء التاسع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع كفّ الأذى عن الناس، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته، وصلاته في سوقه خمسا وعشرين درجة، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن، وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه خطيئة، حتى يدخل المسجد، وإذا دخل المسجد كان في صلاة ما كانت تحبسه، وتصلى عليه الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلى فيه” اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يؤذى فيه” رواه البخارى، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُؤذى جاره، ومَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه” رواه البخارى، وعن جابر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَن لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله” فقال محمد بن مسلمة يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟

 

قال “نعم” رواه البخارى ومسلم، وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما “أن رجلا وقع في أَب كان له في الجاهلية، فلطمه العباس، فجاء قومه، فقالوا ليلطمنه كما لطمه، فلبسوا السلاح، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر، فقال “أيها الناس، أى أهل الأرض تعلمون أكرم على الله عز وجل؟ فقالوا أنت، فقال “إن العباس مني وأنا منه، لا تسبوا موتانا فتؤذوا أحياءنا” فجاء القوم، فقالوا يا رسول الله، نعوذ بالله من غضبك، استغفر لنا” رواه النسائى، وعن المسور بن مخرمة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يقول “إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم على بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة منى، يريبني ما رابها، ويؤذينى ما آذاها” رواه البخارى، وكان الربيع بن خثيم رحمه الله يقول “الناس رجلان، مؤمن فلا تؤذوه، وجاهل فلا تجاهله

 

ويقول ابن رجب رحمه الله “تضمنت النصوص أن المسلم لا يحل إيصال الأذى إليه بوجه من الوجوه من قول أو فعل بغير حق” وقد نهى الله تعالى المؤمنين عن أذية المسلم ولو كان محتاجا ولو كنا نتصدق عليه ونعطيه، وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى ” ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى” أى لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروها يحبطون به ما سلف من الإحسان” وقال في قوله ” يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى” فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى ، فما يفي ثواب الصدقة بخطيئة المن والأذى، ولأن أذيّة المؤمنين سبب من أسباب سخط الله تعالى وغضبه، ولقد جاءت الشريعة بالآداب والتوجيهات والأحكام والحدود التي تعظم الحرمات وتحمي جناب المسلم أن يمُس بأدنى أذى ولو كان لمشاعره وأحاسيسه، وقرر الإسلام الأخوة مبدأ يستوجب الإحسان، وينفي الأذى مهما كانت صوره وأشكاله، فقال الله عز وجل ” إنما المؤمنون أخوه” بل كانت حجة الوداع إعلانا لحقوق المسلم.

 

وإشهارا لمبدأ كرامته وتعظيم حرمته وقدره عند الله، وتحريم أذيته بأي وجه من الوجوه في ميثاق تاريخي نودي به في أعظم محفل، وإن انتهاك هذه الحرمة التي عظمها الله، والتعدي على المسلمين بأذيتهم، لمن أعظم الذنوب والآثام، بل وصل الأمر إلى الجزاء بالجنة لمن أزال شوكة عن طريق المسلمين، وإن مجرد كف الأذى لهو معروف وإحسان يثاب عليه المسلم، قال صلى الله عليه وسلم “تكف شرّك عنِ الناسِ فإنها صدقة منك على نفسك” رواه مسلم، وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة وأنها من شُعب الإيمان، بل ورد في صحيح مسلم من حديث عامر بن عمرو رضي الله عنه “أن من أغضب مسلما فقد أغضب ربه، وأنه على خطر من عقوبته وانتقامه حتى وإن كان المؤذي من أفاضل الناس وخيارهم، فاحذروا أذية المؤمنين والإساءة إلى الناس أجمعين، إلا بحق ظاهر قام عليه الدليل البيّن السالم من المعارض من الكتاب والسنة، والمأثور عن السلف الصالح من هذه الأمة.

 

ليكون لكم برهانا قاطعا، وحجة دافعة حين تختصمون إلى ربكم، فتؤدى الحقوق إلى أهلها، فإن أذية المؤمن ظلم، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، والصبر على أذى الخلق أفضل من الدعاء عليهم، فقال الله تعالى كما جاء فى سورة النحل ” ولئن صبرتم لهو خير لكم” وإن من الأذى ما لا تكفره الصلاة ولا الصدقة ولا الصوم، بل لا يُغفر للظالم حتى يغفر له المظلوم، وهيهات أن يعفو المظلوم يوم تتطاير الصحف وتعز الحسنات، ويعظم الإيذاء ويتضاعف الإثم وتشتد العقوبة كلما عظمت حرمة الشخص أو الزمان أو المكان أو المناسبة، ولئن كان الاستهزاء بالناس أذية وبلية، فإن الاستهزاء بالصالحين والعُبّاد والمحتسبين أشد إثما وأكثر خطرا، وهذا الهمز واللمز هو أول سلاح أشهِر أمام الأنبياء والرسل، وإن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء في خطبة الوداع، كما وصى بهن وهو على فراش الموت، فويل لمن آذى وصية النبي صلى الله عليه وسلم وظلم النساء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى