مقال

نسائم الايمان ومع خامس الخلفاء الراشدين ” الجزء الحادى عشر

نسائم الايمان ومع خامس الخلفاء الراشدين ” الجزء الحادى عشر

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الحادى عشر مع خامس الخلفاء الراشدين، وقد توقفنا عندما باع كل ما كان به عنه غني، فبلغ ثلاثة وعشرين ألف دينار، فجعله في السبيل، أو عن طريق ردها إلى أصحابها الأصليين، وهذا ما فعله بالنسبة للقطائع التي أقطعه إياها قومه، كما أرجع عمر للرجل المصري أرضه بحلوان بعد أن عرف أن والده عبد العزيز قد ظلم المصري فيها، وحتى الدار التي كان والده عبد العزيز قد اشتراها من الربيع بن خارجة، وهو الذى كان يتيما في حجره، ردها عليه، لعلمه أنه لا يجوز اشتراء الولي ممن يلي أمره، ثم التفت إلى المال الذي كان يأتيه من جبل الورس باليمن. 

 

فرده إلى بيت مال المسلمين مع شدة حاجة أهله إلى هذا المال، كما أمر مولاه مزاحما برد المال الذي كان يأتيه من البحرين كل عام إلى مال الله، وإذا كان عمر قد بدأ بنفسه في رد المظالم، فقد ثنى ذلك بأهل بيته وبني عمومته من الأمويين، فقد رأى أن الأمويين أدخلوا الكثير من مظاهر السلطان التي لم تكن موجودة على عهد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أو خلفائه الراشدين، فأنفقوا الكثير من المال من أجل الظهور بمظاهر العظمة والأبهة أمام رعيتهم، وفوجيء بتلك الثياب الجديدة وقارورات العطر والدهن التي أصبحت له بحجة أن الخليفة الراحل لم يصبها فهي من حقه بصفته الخليفة الجديد، فأمر مولاه مزاحما فور تقديم هذه الزينة له ببيعها. 

 

وضم ثمنها إلى بيت مال المسلمين، ولقد كانت لعمر سياسة محددة في رد مظالم بني أمية، فحين وفد عليه أفراد البيت الأموى عقب انصرافه من دفن سليمان، وسألوه ما عودهم الخلفاء الأمويون من قبله، أراد عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز أن يردهم عن أبيه، فقال له عمر وما تبلغهم؟ قال أقول أبي يقرئكم السلام ويقول لكم ” قل إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم ” ثم اتجه إلى أبناء البيت الأموى، فجمعهم وطلب إليهم أن يُخرجوا ما بأيدهم من أموال وإقطاعات أخذوها بغير حق، ولم تمض سوى أيام معدودات حتى وجد بنو أمية أنفسهم مجردين إلا من حقهم الطبيعي المشروع، وعندما عجز الرجال من بني أمية عن جعل عمر بن عبد العزيز يخاف أو يلين عن سياسته إزاءهم.

 

لجأوا إلى عمته فاطمة بنت مروان، فلما دخلت عليه عظمها وأكرمها كعادته، وألقى لها وسادة لتجلس عليها، فقالت إن قرابتك يشكونك ويذكرونك أنك أخذت منهم خير غيرك، قال ما منعتهم حقاً أو شيئا كان لهم، ولا أخذت منهم حقا أو شيئا كان لهم، فقالت إني رأيتهم يتكلمون، وإني أخاف أن يهيجوا عليك يوما عصيبا، فقال كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره، فدعا بدينار وجنب ومجمرة، فألقى ذلك الدينار بالنار، وجعل ينفح على الدينار فإذا احمرّ تناوله بشيء، فألقاه على الجمر فنشى وقتر، فقال أي عمة، أما ترثين لابن أخيك من هذا؟ ثم قال إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، رحمة ولم يبعثه عذابا إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده وترك للناس نهرا شربهم فيه سواء. 

 

ثم ولي أبو بكر الصديق، وترك النهر على حاله، ثم ولي عمر بن الخطاب، فعمل عملهما، ثم لم يزل النهر يستقي منه يزيد ومروان وعبد الملك وابنه الوليد وسليمان أبناء عبد الملك حتى أفضى الأمر إلي وقد يبس النهر الأعظم، فلم يُروى أصحابه حتى يعود إلى ما كان عليه، فقالت حسبك، قد أردت كلامك، فأما إذا كانت مقالتك هذه فلا أذكر شيئا أبدا، فرجعت إليهم فأخبرتهم كلامه، وجاء في رواية أنها قالت لهم أنتم فعلتم هذا بأنفسكم، تزوجتم بأولاد عمر بن الخطاب فجاء يشبه جده، فسكتوا، ويقال أن مرة بعث إليه واليه على البصرة برجل اغتصب أرضه، فرد عمر هذه الأرض إليه ثم قال له كم أنفقت في مجيئك إلي؟ قال يا أمير المؤمنين، تسألني عن نفقتي وأنت قد رددت علي أرضي وهي خير من مائة ألف؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى