مقال

شعاع من نور ومع داهية العرب ” الجزء الحادى عشر “

شعاع من نور ومع داهية العرب ” الجزء الحادى عشر “

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الحادى عشر مع داهية العرب، وقد توقفنا عندما كتب عثمان بن عفان، إلى عبد الله بن سعد يؤمره على مصر كلها، فجاءه الكتاب بالفيوم، فقال ابن عفير بقرية منها تدعى دموشة، فجعل لأهل أطواب جعلا على أن يصبحوا به الفسطاط في مركبه وكان الذي جعل لهم كما يزعم آل عبد الله بن سعد خمسة دنانير، فقدموا به الفسطاط قبل الصبح فأرسل إلى المؤذن فأقام الصلاة حين طلع الفجر وعبد الله بن عمرو بن العاص، ينتظر المؤذن يدعوه إلى الصلاة لأنه خليفة أبيه فاستنكر الإقامة فقيل له صلى عبد الله بن سعد بالناس وآل عبد الله يزعمون أن عبد الله بن سعد أقبل من غربي المسجد بين يديه شمعة، وأقبل عبد الله بن عمرو بن العاص، من نحو داره بين يديه شمعة فالتقت الشمعتان عند القبلة. 

 

فأقبل عبد الله بن عمرو، حتى وقف على عبد الله بن سعد فقال هذا بغيك ودسك فقال عبد الله بن سعد ما فعلت، وقد كنت أنت وأبوك تحسداني على الصعيد فتعال حتى أوليك الصعيد وأولي أباك أسفل الأرض ولا أحسدكما عليه فلبث عبد الله بن سعد بن أبى السرح، عليها أميرا محمودا وغزا فيها ثلاث غزوات كلهن لها شأن وقد ذكر أفريقية والأوساد ويوم ذي الصواري، وكان عزل عمرو بن العاص عن مصر، وتولية عبدالله بن سعد في سنة خمس وعشرين من الهجرة، وقد قيل إن الكثير من الخلفاء والولاة لم يفرقوا بين المال العام ومالهم، فكان الواحد منهم قائما على مال الله وعلى ماله وكأنهما شىء واحد، فهذا بيت مال المسلمين فى يد عثمان بن عفان، يغدق منه على أرحامه. 

 

وفى يد معاوية بن أبى سفيان يعتبره هبة الله، يهب من بنى أمية ما يشاء، وهذا الوليد بن عقبة فى الكوفة يغرف منه كما يريد، وهذا ابن عباس فى البصرة يحمل منه الجمال فى خفارة أقربائه هاربا إلى حمى مكة، وهذا أبوهريرة رضى الله عنه يعزله عمربن الخطاب رضى الله عنه، من ولاية البحرين، بعد ما عرف وسمع عنه، وهذا عمرو بن العاص فى مصر الضيعة، لا يفيق إلا لحظة الموت على تلال الذهب التى اختصها لنفسه، ساعتها أحس أنها هباء منثور، ولم يكن العزل من الولاية إلا بسبب التقصير فى جمع الخراج أو الجزية، ولقد عزل الخليفة عثمان بن عفان، الوالى عمرو بن العاص من ولاية مصر الضيعة، لتقصيره فى جمع ما يريده ويأمله منه، وكان أكثر مما كان مقدرا. 

 

وما يتحمله أهلها، فقد عزله عثمان بن عفان وقيل أنه كان يجمع من الضيعة أربعة عشر مليون دينار ضريبة الرؤوس فقط، ويرسلها للخليفة توزع فى المدينة، ولما عين عبدالله بن أبى السرح أمر الضيعة، جمع من أهلها أربعة أضعاف ما كان يجمعه عمرو، فلما عاير عثمان بن عفان، عمرو بما تفوق عليه ابن أبى السرح فيما جمعه من المال، وقال له درت ألبانها، رد عليه عمرو ” ذاك بما أعجفتم أولادها ” فلما تولاها فى عهد معاوية بن أبى سفيان، ورد إليه اعتباره، أوقف معاوية الضيعة كاملة وأهلها له، يجمع ما يقدر عليه، واشترط له ألا يرسل منها أموالا إلى الخليفة فى دمشق، فلما احتاج معاوية من ضيعة مصر أموالا لسداد رواتب الجند واحتياجات الخلافة وعطايا القرشيين. 

 

فى عام قل فيه الخراج وعزت فيه الجباية، وأرسل يطلب منه الغوث والنجدة، ويعطيه بعضا من خراج ضيعته، لم يفعل ولم يستجب أو يلب، وذكره بالشرط الذى اشترطه عليه، وقال ” ما نلتها عفوا ولكن شرطتها ” ولم يفعل معه ما فعله حين أغاث الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، فى عام الرمادة، وأرسل له قوافل المدد أولها فى قصره فى مصر وآخرها فى قصر الخليفة بالمدينة، وأسرها معاوية بن أبى سفيان فى نفسه، واختزنها لعمرو بن العاص، ولما مات عمرو، قد صادر أمواله كلها، وعرف المسلمون من يومها فكرة المصادرة، فالعلاقة قد بنيت على المصلحة والمنفعة، حين طلبها عمرو بن العاص كانت بمقابل، وحين مات صادر هذا المقابل وانتزع ما جمعه من أموال وقال ” نحن نأخذه بما فيه ” بما فيه من أى شحت سواء سحت أوظلم، ولم يكن هذا القرار إلا إيمانا ويقينا بعدم أحقيته فيما جمعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى