مقال

نفحات إسلامية ومع الخلافة الراشدة ” الجزء التاسع عشر “

نفحات إسلامية ومع الخلافة الراشدة ” الجزء التاسع عشر ”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع عشر مع الخلافة الراشدة، وقد توقفنا عند، وكان الخيار المطروح بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان هو إما العودة إلى نظام عمر بن الخطاب الذي اعتمد أساسا على المصالح القبلية وقيمها، وإما الاستمرار على نهج عثمان بن عفان من واقع النظام الجديد الذي يعتمد على أولوية المصالح القرشية، وقد توزعت مواقف الصحابة بخاصة والمسلمين بعامة بين هذين الخيارين، وقد تبنى الإمام علي مطالب الثائرين في حين جسد معاوية بن أبي سفيان الاستمرارية الحية المباشرة لنهج الخليفة الراشد عثمان بن عفان وكان الثائرون ما يزالون يسيطرون على المدينة، ويملكون ناصية القرار السياسي والعسكري، إلا أنهم لم يمارسوا السلطة فعليا وافتقروا إلى الرؤية الواضحة.

 

للخروج من المأزق الذي خلقته حركتهم، هذا في الوقت الذي أخذ فيه معظم الصحابة يتوارون عن الأنظار في عاصمة الخلافة، مفضلين الابتعاد عن التطورات التي أفلتت من أيديهم، وكان الفراغ في السلطة ينذر بأسوأ النتائج، واشتدت الحاجة إلى منقذ يتمتع بتأييد الأغلبية في التوجهات السياسية وبخاصة الممثلة لجماعة الثائرين وبناء على هذا توجه بعض الصحابة من المهاجرين والأنصار نحو عليّ وخاطبوه قائلين إن هذا الرجل قد قتل ولا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحدا أحق بهذا الأمر منك، لا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والواضح أن معالم شخصية الإمام علي بن أبى طالب وحياته العامة جعلته آنذاك رجل الإسلام المهم، وكان اسمه يفرض نفسه.

 

فهو الأكثر نشاطا من خلال الأزمة، والذي بدا من خلال هذا الموقع المحاور الوحيد بعد انكفاء طلحة والزبير واعتزال سعد بن أبي وقَّاص، وهم الأربعة الذين بقوا من أهل الشورى، ومثَلوا النخبة السياسية في المدينة، كما أنه لم يكن موضع اتهام، ولم يكن الإمام عليّ بن أبى طالب في البداية راغبا في تولي الخلافة، وخاطب الذين رشحوه قائلا “لا تفعلوا فإني أكون وزيرا خير من أن أكون أميرا” عندئذ صعد أهل الأمصار ضغوطهم، فهددوا أهل المدينة بقتل هؤلاء الثلاثة عليّ وطلحة والزبير وناس كثير، مما دفع عليّ بقبول البيعة خوفا من الفتنة، وخشية على الدين والمسلمين من مزيد من التمزق، وهدف إلى وأد الفتنة وإعادة تجميع جسم الأمة المتناثر وترميم النظام القائم للسلطة.

 

وتعزيز التواصل بين القوى الاجتماعية الأكثر اعتدالا والأقل تورطا في قتل عثمان، كانت أول مشكلة اعترضت الخليفة الجديد هي العمال الذين عينهم عثمان على الأمصار، ثم مشكلة المطالبة بأخذ الثأر من قتلة الأخير وكان التغيير الأكثر إلحاحا من وجهة نظر عليّ، هو إعادة النظر في الجهاز الإدارى المسؤول مباشرة، بوصفه الأداة التنفيذية للخلافة، وذلك من واقع تغيير العمال والموظفين غير أن التصدي لرواسب النظام السابق كان يعني المواجهة مع قوى نافذة بلغت مبلغا كبيرا من القوة، بالإضافة إلى الاصطدام مع عدد من كبار الصحابة الذين وقفوا موقفا سلبيا، لذلك كان من الضروري أن يسبق هذا القرار بالتغيير اتخاذ خطوات تمهد لتنفيذه من أجل تجنب إثارة المعترضين.

 

وهذا ما أشار به عبد الله بن عباس، وهو الإبقاء على عمال عثمان وبالأخص معاوية، ونصحه المغيرة بن شعبة بالتريث في هذا الأمر حتى تهدأ الأوضاع وتستقر، وتتوطد له أسباب الحكم، ثم ينظر ما يكون والراجح أن عليا أدرك ذلك، إلا أن موقف الثائرين في المدينة، والجو العام في الأمصار المشحون بالنقمة كان ضاغطا، بالإضافة إلى ذلك فإن مبدأ التغيير كان يعني الشمولية وعدم التجزئة، أضف إلى أن عليا كان شديدا في الحق لا يستطيع أن “يُراهن في دينه” ولم يكن بوسعه أن يلجأ إلى مهادنة ولاة عثمان بن عفان، والمعروف أن خلع ولاة عثمان كان أحد مطالب الثائرين والمعارضين في الكوفة والبصرة ومصر، لهذا كان إبعاد عمال عثمان عن الوظائف العامة مسألة مبدئية تصعب المساومة عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى