مقال

نسائم الايمان ومع رحلة الحج ” الجزء التاسع “

نسائم الايمان ومع رحلة الحج ” الجزء التاسع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع رحلة الحج، وإن فى أداء فريضة الحج إعلان وثيقة عالمية يوقع عليها نائبون عن أجناس الأرض من أدناها إلى أدناها، عربيها وأعجميها، شرقيها وغربيها أن الله تعالى واحد، وطريقه واحد، ونسكه واحد، فليس مشهد أشد على أعداء الملة من أن يروا تلك الملايين التي أتت البلد الحرام رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا بعبودية الله وحده، وتفرده واستحقاقه دون سواه بأن يتوجة إليه بالطاعة والعبادة، وأن يفرد بالتحاكم إليه، والإذعانِ لأمره ونهيِه، وإن أفعال الحج من الإحرام والطواف، والسعي ورمي الجمار، والوقوف بعرفة ومزدلفة من الأفعال ما ينبئ عن امتثال العبد لأوامر سيده وإن لم يفهم المقصود من هذه الأوامر.

 

إنما يتعين عليه الامتثال، ويلزمه الانقياد من غير سؤال عن المقصود، ولا طلب الفائدة والمعنى من هذه الأفعال لذا كان من تلبيته صلى الله عليه وسلم “لبيك حقا حقا، تعبدا ورقا، لبيك إله الحق” واعلموا جيدا أننا نقف جميعا على شاطئ رملي، نرقب وبلهف قدوم سفينة الحج، فالكل قد هيأ نفسه للدخول داخل السفينة والركوب فيها لأنها لا تغرق، ولكي لا نغرق علينا أن نتمثل فعل الرعيل الأول، الذي انتصر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يوم صنعهم، صور حية من الإيمان، يوم صاغ من كل واحد منهم قرآنا حيا يدب على الأرض، ونموذجا مجسما للإسلام، يراه الناس فيرون الإسلام، فالمصحف وحده لا يعمل حتى يكون رجلا.

 

والمبادئ لا تعيش حتى تكون سلوكا يتبع، والحج لا يرفع له شراع، ولا يقدر على شق عباب الفضاء إلى رافع السماء، إلا إذا كان خالصا لرب العالمين، سليما من آية شائبة، فتتوالى علينا مواسم الخير والبركة، لنتزود فيها من الأعمال الصالحة ما يكون طمأنينة ليومنا، وذخرا لغدنا، وخلال أيام قلائل نستقبل عشر ذي الحجة، وهي أفضل أيام العام، والعمل الصالح فيها أفضل منه في سائر أيام العام لقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “ما من عمل أَزكى عند الله عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى” قيل ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال “ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء”

 

فبمقتضى هذا الحديث، ألا عمل صالح يعمله الإنسان من صلاة وقراءة، وذكر ودعاء، وصدقة وبر، وصلة وإحسان، فهو أفضل من مثيله في سائر العام، حتى كان العمل الصالح فيها أفضل من الجهاد في سبيل الله تعالى الذي هو أفضل الأعمال، وأمهات الأعمال الصالحة تجتمع فيها إذ هي موسم الحج، وهو ركن الإسلام الخامس، ويشرع صيامها، ولا سيما صيام يوم عرفه إذ يكفر سنتين الماضية والباقية، ولنعلم أن الحج وحدة من وحدات الإسلام، وصورة ناصعة من صور الاتحاد، توحي بأن ديننا جزء لا يتجزأ، ولا يقبل التجزؤ فهو ينادي أحبته بأن يجتمعوا ولا يتفرقوا، ويتفقوا ولا يختلفوا، وليحذروا أي طريق يسلك بهم إلى التنازع فإن عدوهم لهم بالمرصاد.

 

يهزأ بهم، ويسخر من صنعهم حينما يراهم شيعا وأحزابا، ولتكن قلوبنا كما هي في يوم الموقف في عرفات، وليكن قولنا واحدا كما هو شعارنا في حجنا لبيك اللهم لبيك وليكن هدفنا واحدا كما هو في حجنا ابتغاء لوجه الله والدار الآخرة، فلا نشتغل بطرد الذباب، والعدو قد انطلق من عرينه وله زئير يهز القلوب هزا، فإن الحج هو القصد، فليس القصد الضيق المعاين فحسب، لا بل هو أن نربط الأفئدة، وندرب الألسنة على كلمة الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هو إبعاد شبح الخلافات بيننا حتى لا يتحول جدال الألسن إلى قرقعة السنان بيننا، في كل عام يدعونا ربنا لتزكية نفوسنا، ونبذ ما في نفوسنا من شحناء وبغضاء، والإقبال على الحياة من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى