مقال

المحكمة العليا الإسرائيلية وقانون القومية والفاشية

المحكمة العليا الإسرائيلية وقانون القومية والفاشية

كتب /يوسف المقوسي

 

قامت المحكمة العليا في إسرائيل أمس الخميس 8\7\2021 بالمصادقة على الطابع الحقوقي العنصري لدولة إسرائيل وذلك بسبغ الشرعية الكاملة على ما يسمى بقانون القومية الذي سنّته الكنيست في 18\7\2018 وردّت بذلك الالتماس من اجل الغاء القانون الذي قدمته لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية بواسطة مركز “عدالة” في شهر كانون ثاني (يناير) من العام 2019.

اتخذت المحكمة العليا في إسرائيل قرارها بغالبية عشرة قضاة وبمعارضة القاضي جورج قرا, القاضي العربي الوحيد في المحكمة العليا, وبذلك شطبت هذه المحكمة أيضا اساطير التمييز والتجاذب المزعوم بين قضاة لبراليين وقضاة يمينيين، حيث اجمع القضاة اليهود كلهم على التعريف العرقي للدولة وبذلك أسقطوا التعريف المضلل الذي اعتمدته إسرائيل وهي انها يهودية وديموقراطية, عندما قالوا عمليا ان التزاوج بين العرقية وبين الديموقراطية هو امر مستحيل.

القرار يشكل سابقة في غاية الخطورة لأنه يفتح الباب على مصراعيه لممارسات أكثر عنصرية وأكثر فاشية وعدوانية ضد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده, بغطاء “قانوني” من المحكمة العليا.

الاحرف التي كُتب فيها قانون القومية هي الواقع العنصري المزمن الذي تمارسه اسرائيل على الأرض وهذا ما خبرناه على جلودنا وعلى حياتنا وعلى مستقبل أبنائنا طوال أكثر من سبعين عاما.

رغم ما ورد من مزاعم في قرار المحكمة العليا بان قانون القومية لا يمسّ بحقوق “غير اليهود” الا ان هذا القانون يقونن العنصرية في قانون دستوري, فهو ينفي حق الشعب الفلسطيني كله في وطنه وينفي حقه في تقرير المصير وينفي حق اللاجئين المهجرين قسرا من بيوتهم في العودة وينفي حقوق الشعب الفلسطيني في عاصمته -القدس- وينفي حقوق الفلسطينيين الذين يحملون جواز السفر الإسرائيلي في المساواة القومية والمدنية وبالأخص حقهم في الأرض والمسكن واللغة.

التطرق الوحيد للعرب الفلسطينيين في هذا القانون كان من خلال الاعتداء على اللغة العربية وإلغاء كونها لغة رسمية, بينما هي لغة المكان المسمى فلسطين والتي لم تنقطع عنها يوما في التاريخ الحضاري.

هذه مناسبة لنؤكد ان أعداء الحضارة وقوانين الطغاة لم ولن تنجح في الفصل بين اللغة وبين هوية المكان وتاريخه.

كنت قد أكّدتُ في المظاهرة الجبارة التي دعت اليها لجنة المتابعة العليا في الأيام التي تلت إقرار هذا القانون العنصري وتحديداً في 11\8\2018 في تل ابيب بمشاركة عشرات الألوف (غالبيتهم من المواطنين اليهود) ان هذا القانون لا يجعل من المواطنين العرب في إسرائيل، مواطنين من الدرجة الثانية ولا الثالثة ولا الرابعة ولا.. ففي هذا القانون الذي “يُعرِّف” الدولة لا يوجد أي تعريف واي مكانة ل_ 20% من السكان.

 

نحن الفلسطينيون في إسرائيل لسنا على خلاف مع الدولة على متر مربع من الزفت في شوارعنا المهملة والمشوشة بفعل سياسات التمييز العنصري, انما مختلفون معها في انها تريد ان تفرض واقعا من الزفت والعنصرية لأنها -أي العنصرية -ليست خللا في الصهيونية انما هي جوهر ممارساتها.

قرار المحكمة الاسرائيلية يضع مسؤولية استثنائية على المجتمع الدولي وعلى المؤسسات الأممية والحقوقية لمسائلة إسرائيل في مسألة إعادة ترسيم الابرتهايد الأول في القرن ال21 بمصادقة رسمية من السلطات الثلاث في إسرائيل: التشريعية (الكنيست) والتنفيذية (الحكومة) والقضائية (المحكمة العليا).

قضية الدمقراطية وحقوق الانسان وحق تقرير المصير والمساواة القومية والمدنية ليست قضية داخلية إسرائيلية, نما هي قضية البشرية حيث تكون, وما قرار محكمة الجنايات الدولية بشأن التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية (20\12\2019) وقرار مجلس حقوق الانسان (27\5\2021) إقامة لجنة تحقيق غير محددة زمنيا في انتهاكات إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وفي داخل إسرائيل (فلسطينيي الداخل) الا خطوات في الاتجاه الصحيح، الا انها غير كافية.

 

من الذائع ان الجهاز القضائي الإسرائيلي كان يتمتع بمكانة ما في المحافل القضائية العالمية، وبهذا القرار تحول الجهاز القضائي الإسرائيلي الى ذراع عنصري لسلطة عنصرية الامر الذي يستوجب إعادة النظر في هذه المكانة في المحافل القضائية الدولية.

إسرائيل تتباهي امام العالم ان فيها انتخابات وديموقراطية، لكن إسرائيل تثبت ما اثبتته التجربة التاريخية، البعيدة والحديثة, ان الفاشية يمكن ان تصل الى السلطة عبر صناديق الاقتراع ويمكن ان تنال المصادقة من الجهة المكلفة ب”العدالة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى