مقال

نفحات إيمانية ومع الطريق إلى السعادة ” الجزء الثالث “

نفحات إيمانية ومع الطريق إلى السعادة ” الجزء الثالث ”

إعداد/ محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الطريق إلى السعادة، فإن حال السكران، لا يدري ما يقول، بل اصبر لفورته، ولا تعول عليها، فإن الشيطان قد غلبه، والطبع قد هاج، والعقل قد استتر، ومتى أخذت في نفسك عليه، أو أجبته بمقتضى فعله كنت كعاقل واجه مجنونا، أو كمفيق عاتب مغمى عليه، فالذنب لك، بل انظر بعين الرحمة، وتلمح تصريف القدر له، وتفرج في لعب الطبع به، واعلم أنه إذا انتبه ندم على ما جرى، وعرف لك فضل الصبر، ومتى سمعت منه كلمة قذعة فاجعل جوابها كلمة جميلة، فهي أقوى في كفّ لسانه، فإن لم تطق فهجر جميل، وإن عدوك إن بالغ في السب فبالغ في الصفح، تنب عنك العوام في شتمه، ويحمدك العلماء على حلمك، وإنما يقع هذا، ممن يري أن تسليطه عليه.

 

إما عقوبة على ذنب، أو رفع درجة بالابتلاء، فهو لا يري الخصم وإنما يري القدرة، وقد روي عن بعض السلف أن رجلا شتمه فوضع خده على الأرض، وقال اللهم اغفر لي الذنب الذي سلطت هذا به عليّ، وكذلك كتم أسراره عنهم، فقد قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرهم، فإذا ظهر، عاتبوا من أخبروا به، فواعجبا كيف ضاقوا بحبسه ذرعا، ثم لاموا من أفشاه، وفي الحديث “استعينوا على قضاء أموركم بالكتمان” فإن قال قائل إنما أحدّث من أثق به، قيل له وكل حديث جاوز الاثنين شائع، وربما لم يكتم صديقك، والرجل الحزم الذي لا يتعداه سره، ولا يفشيه إلى أحد، وستر المصائب من جملة كتمان السر، لأن إظهارها يسرّ الشامت.

 

ويؤلم المُحب، وكذلك العفو عنهم، حيث قال العلامة ابن القيم رحمه الله، أن العفو من المخلوق ظاهره ضيم وذل، وباطنه عز ومهابة، والانتقام ظاهره عز، وباطنه ذل، فما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، ولا انتقم أحد لنفسه إلا ذل، ولو لم يكن إلا بفوات عز العفو، ولهذا ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط، والعفو من أخلاق النفس المطمئنة، والذل من أخلاق الأمارة، وكذلك عدم إظهار العداوة لمن أظهر عداوته منهم، حيث قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله، مما أفادتني تجارب الزمان، أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحدا، ما استطاع، فإنه ربما يحتاج إليه، مهما كانت منزلته، واعلم أن المظاهرة بالعداوة، قد تجلب أذى من حيث لا يعلم، لأن المظاهر بالعداوة.

 

كشاهر السيف ينتظر مضربا، وقال رحمه الله وإذا أبغضت شخصا، لأنه يسوءك، فلا تظهرن ذلك، فإنك تنبهه على أخذ الحذر منك، وتدعوه للمبارزة، فيبالغ في حربك، والاحتيال عليك، بل ينبغي أن تظهر له الجميل، إن قدرت، وتبره ما استطعت، حتى تنكسر معاداته، بالحياء من بغضك، وكذلك من طرق السعادة هو عدم التعامل مع الناس بكبر، وقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله الكبر أثر من آثار العجب، والبغي من قلب قد امتلأ بالجهل والظلم، ونظره إلى الناس شزر، ومشيه بينهم تبختر، ومعاملته لهم معاملة الاستئثار، لا الإيثار ولا الإنصاف، ذاهب بنفسه تيها، لا يبدأ من لقيه بالسلام، وإن ردّ عليه، رأى أنه قد بالغ في الإنعام عليه، لا ينطلق لهم وجهه، ولا يسعهم خلقه.

 

لا يري لأحد عليه حقا، ويرى حقوقه على الناس، ولا يري فضلهم عليه، ويري فضله عليهم، لا يزداد من الله إلا بُعدا، ولا من الناس إلا صغارا وبغضا، وأيضا من طرق السعادة هو الصبر على أذاهم، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن الإنسان لا بد له من أن يعيش مع الناس، والناس لهم أرادات وتصورات، يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه، فمن هداه الله وأرشده، امتنع من فعل المحرم، وصبر على آذاهم، وعداوتهم، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، كما جرى للرسل وأتباعهم، مع من آذاهم، وعاداهم مثل المهاجرين في هذه الأمة ومن ابتلي من علمائها وعُبادها وتجارها ووُلاتها، وأيضا من طرق السعادة هو اعتزالهم في الشر وفضول المباح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى