مقال

فريضة الحج وبناء الكعبة المشرفة ” الجزء الخامس”

فريضة الحج وبناء الكعبة المشرفة ” الجزء الخامس”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع فريضة الحج وبناء الكعبة المشرفة، وبعد مبايعة عبد الله بن الزبير خليفة على المسلمين سنة أربعة وستين من الهجرة، كان أمامه أمران، إما أن يرمم الكعبة أو أن يهدمها ثم يعيد بنائها، فقرر هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد النبي إبراهيم عليه السلام، وذلك لما كان قد سمع من خالته السيدة عائشة أم المؤمنين حديثا يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن قريش نقصوا من بناء الكعبة لأن أموالهم قصرت بهم وأنه لولا حداثة قريش بالإسلام لأعاد بنائها وجعل لها بابين ليدخل الناس من أحدهما ويخرجوا من الآخر، فأعاد عبد الله بن الزبير بناء الكعبة على هذا النحو وزاد في بنائها لتكون على قواعد البناء القديم في عهد إبراهيم وجعل لها بابين على مستوى الأرض.

 

وكان ارتفاعها سبعة وعشرون ذراعا وعرض جدرانها ذراعين كما جعل لها بابين شرقي للدخول وغربي للخروج، كما قام ابن الزبير بتوسعة المسجد الحرام، وقد تمت هذه التوسعة في السنة الخامسة والستين هجرية، وضاعفت من مساحة المسجد وبلغت مساحته عشرة آلاف متر مربع، وقد قرر عبد الملك بن مروان التخلص من عدوه ومنافسه عبد الله بن الزبير إلى الأبد، فجهز جيشا ضخما لمنازلة ابن الزبير في مكة، وأمر عليه الحجاج بن يوسف و أمره بالسير إلى مكة للقضاء على ابن الزبير، فخرج بجيشه إلى الطائف، وانتظر الخليفة ليزوده بمزيد من الجيوش، فتوالت الجيوش إليه حتى تقوى تماما، ثم زحف أي الحجاج إلى مكة في موسم الحج ونصب المجانيق.

 

على جبل أبي قبيس وعلى جبل قعيقعان ونواحي مكة كلها، فتحصن ابن الزبير في المسجد وأخذت أحجار المنجنيق تتساقط على المسجد، وبسبب هذا القصف احترقت الكعبة، فأضطر ابن الزبير إلى الخروج للقتال مع جماعة من أتباعه حتى قتل جميع أتباعه وانتهى الأمر بقتل ابن الزبير، وبعد أن سيطر الحجاج على مكة كتب إلى الخليفة عبد الملك بن مروان أن ابن الزبير قد زاد في البيت ما ليس فيه وقد أحدث فيه بابا آخر، فكتب إليه عبد الملك أن سد بابها الغربي وأهدم ما زاد فيها من الحجر، فهدم الحجاج منها ستة أذرع وبناها على أساس قريش وسد الباب الغربي وسد ما تحت عتبة الباب الشرقي لارتفاع أربعة اذرع ووضع مصراعان يغلقان الباب.

 

فأمر عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف أن يعيد بناء الكعبة إلى ما كانت عليه في عهد قريش وذلك لعدم علمه بحديث عائشة رضى الله عنها، وفي عهد الوليد بن عبد الملك كانت عمارة التوسعة الرابعة للمسجد وذلك في سنة واحد وتسعين هجرية، وذلك بعد سيل جارف أصابها، وقد زاد من مساحة المسجد، وأجمع الكثير من المؤرخين على أن الوليد بن عبد الملك كان أول من استعمل الأعمدة التي جلبت من مصر والشام في بناء المسجد الحرام، وكان عمل الوليد عملا محكما بأساطين الرخام، وقد سقفه بالساج، وجعل على رؤوس الأساطين الذهب وأزّر المسجد من داخله بالرخام، وجعل على وجوه الطيقان الفسيفساء، وشيد الشرفات ليستظل بها المصلون من حرارة الشمس.

 

وقدرت زيادته بأكثر من ألفين وثمانى مائة مترا، وفي عهد السلطان أحمد الأول، حدث تصدع في جدران الكعبة وكذلك في جدار الحجر، وكان من رأي السلطان أحمد هدم بناء الكعبة وإعادة بنائها من جديد لكن علماء العثمانيين منعوه من ذلك، أما المهندسين فأشاروا عليه بدلا من ذلك بعمل نطاقين من النحاس الأصفر المطلي بالذهب واحد علوي وآخر سفلي، ورغم ذلك لم تصمد الكعبة طويلا وتهدمت جدرانها عقب أمطار غزيرة التي شهدتها مكة المكرمة يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر شعبان عام الف وتسعة وثلاثين من الهجرة، وتحول هذا المطر إلى سيل عظيم، داخل المسجد الحرام والكعبة، وبلغ منتصفها من الداخل وحمل جميع ما في المسجد من خزائن الكتب والقناديل والبسط وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى