مقال

نفحات إيمانية ومع إياكم والتخوض فى مال الله “الجزء الخامس”

نفحات إيمانية ومع إياكم والتخوض فى مال الله “الجزء الخامس”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع إياكم والتخوض فى مال الله، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا” وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى كما جاء فى سورة المؤمنين “يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إنى بما تعملون عليم” وقال تعالى كما جاء فى سورة البقرة “يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم” ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، ويقول يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأني يستجاب لذلك؟” وإن هناك مشاهد محزنة ومؤلمة من مظاهر إتلاف المال العام وأملاك الدولة.

 

فمن ذلك عبث الطلاب في مدارسهم، وتكسير الأجهزة والنوافذ والمرافق، وتمزيق الكتب وإهانتها بما فيها من علم نافع، ومن ذلك ما نراه من عبث بسيارات الدولة ومكاتبها وأجهزتها، وما نراه من استخفاف بمحتويات المستودعات الحكومية ونحوها، وإن هذه الوقائع عكست خللا وتقصيرا تربويا، وقصورا في نظام وتشريع العقوبات والتجريم، ولكن هل هؤلاء الناس والشباب يستشعرون حرمة هذه الأعمال، وأنها كبيرة من كبائر الذنوب؟ وهل يستشعرون أن التعدي على المال العام الذي هو ملك للجميع وهو أشد من التعدي على المال الخاص، وأشد إثما من التعدي على مرافق بيت مملوك لشخص معين؟ فكلا، فإنهم لا يستشعرون إن الشريعة جاءت بتعظيم الأموال.

 

تعظيما ظاهرا، وحرمت التعدي على المال الخاص فضلا عن المال العام، فالسارق تقطع يده، وأخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن “من قتل دون ماله فهو شهيد” رواه البخارى، وأما المال العام فقد حرّم الرسول صلى الله عليه وسلم التعدي عليه، وحذر منه أشد التحذير، إذا كان قد أخذه لنفسه، ولو كان أقل القليل، وإذا نظرنا إلى الغنيمة من المال العام، فإن بيت المال له فيها حظ، والغزاة لهم حظ، والفقراء والمساكين وغير ذلك، فإذا كان هذا مجاهدا في سبيل الله، ويخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا ناله ما ناله عندما غل من الغنيمة، والعبد لا سهم له فيها، ولكن يرضخ له، فلهذا وقعت عليه هذه العقوبة الشديدة، وتذكروا أنه أخذ هذا المال لينتفع منه لا ليفسده ويتلفه.

 

فكيف بربكم من أفسد المال وأتلفه وأهلكه دون أي حاجة إلا الفساد؟ فهو جمع مع التعدي على المال العام الإفساد في الأرض، فلا بد من تصور الأبناء لحرمة الأموال العامة والتخويف من مغبة إفسادها، وأن الله سبحانه وتعالى سائلكم عنها، وأنها مملوكة للفقير والمسكين المحتاج والمريض والصغير والكبير، وكما أنهم يستشعرون حرمة التعدي على المال الخاص، فلا بد من استشعارهم لحرمة المال العام، فإن من مستفزات مناظر مظاهر العبث والفساد بالمال العام أن الكثير يشارك في مثل هذا الإفساد حتى ممن لا يتصور منهم ذلك، والسبب في هذا هو طبيعة التقليد عند الأبناء، مما يدل على ضعف زرع الثقة بالنفس وضبط السلوك والاعتداد بالرأي.

 

وإن من أهم مقومات التربية أن تربي ولدك على التحصين الذاتي، فلا يؤثر عليه كثرة الأقران في فعل شيء، لا يرتضيه ولا يقتنع منه، لا بد من كسر طبيعة التبعية المطلقة والتقليد الأعمى، فالأطفال بحاجة إلى تربيتهم على معرفة الخير والصواب، والقدرة على عمله، ومعرفة الشر والخطأ، والقدرة على اجتنابه، دون أن يؤثر عليهم الآخرون، كثير من الطلاب يجامل أقرانه على حساب أخلاقه وتربيته، فأين دور الوالدين في زرع الثقة وعدم المجاملة في الباطل؟ وليعلم أنه لا خلاف بين الفقهاء في أن من أتلف شيئا من أموال بيت المال بغير حق، كان ضامنا لما أتلفه، وأن من أخذ منه شيئا بغير حق لزمه رده، أو رد مثله إن كان مثليا، وقيمته إن كان قيميا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى