مقال

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلاقه بينهما “الجزء الأول “

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلاقه بينهما “الجزء الأول ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

إن في المسجد تتصافى النفوس والقلوب, فليس هناك طبقية تمنع دخول المسلم إليه مهما كان لونه وجنسه وقومه ولغته وسنه ومكانته الاجتماعية, فلا فرق هناك بين ملك ورعية وبين غني وفقير وعامل ووزير, ولا بين شريف ووضيع فالكل هنا سواسية كأسنان المشط، فقد أسهم المسجد إسهاما فاعلا في خدمة الناس وإصلاح أحوالهم المعيشية والاجتماعية, فكان المسجد دار إغاثة ورعاية اجتماعية، تستقبل وتقسم فيه الصدقات, ويدعى فيه الأغنياء إلى البذل والميسورين إلى الإنفاق على إخوانهم المحتاجين, وخصص النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده مكانا لإيواء الفقراء الغرباء, الذين ليس لهم مأوى ولا محلة يسكنون فيها عرفوا بأهل الصفة.

 

وهذا هو الأصل في المساجد أن يربي في أبناء الأمة الإسلامية روح الألفة والجماعة والاتحاد, ويدفع بالجماعة المسلمة لتشكل للأمة مؤتمرا مصغرا لطرح مشاكلها وإيجاد الحلول لها وغير ذلك من الأدوار الفعالة، فأهل الحي الواحد يجتمعون في المسجد كل يوم خمس مرات, يؤدون الصلاة جماعة وتسود بينهم روح الود والمحبة والتقارب والألفة، إذ تتكرر رؤية بعضهم لبعض والتقاؤهم في مكان واحد جنبا إلى جنب في صف واحد, مما يعمق الاتحاد والإخاء بينهم ويجعل منهم قوة متماسكة ووحدة متآلفة، فيقابل المسلم أخاه في المسجد فيسلم عليه ويبادله تحية الإسلام التي تعمق روح التضامن بين المسلمين، كما كان المسجد دارا للقضاء وفض النزاع بين المتخاصمين.

 

ومكانا لعقد الزواج وعيادة للعلاج والتطبب, واستراحة لاستقبال المسافرين قبل أن يصلوا إلى أهلهم، وجمعية لكفالة الأيتام وتلمس همومهم ومعاناتهم, وإذا دهم المسلمين أمر أو نزلت بهم نازلة أو اجتاحتهم جائحة أو حدث لهم أمر طارئ, نادى فيهم المنادي الصلاة جامعة فيجتمعون في المسجد, بل وصل الدور الاجتماعي للمسجد إلى درجة أنه كان مأوى للفارين من الهموم والغموم والمشاكل, فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد, فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال صلى الله عليه وسلم “يا أبا أمامة ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة” قال هموم لزمتني وديون يا رسول الله.

 

قال “أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك” قال، قلت بلى يا رسول الله قال “قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن, وأعوذ بك من العجز والكسل, وأعوذ بك من الجبن والبخل, وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال” قال ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني” رواه أبي داود، فإن منذ اللحظة الأولى لقدوم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى مهاجره في الواحة الخصيبة وهى يثرب التي تراءت له في النوم، فعن أبى برده جده عن أبى موسى الأشعرى، عن النبى صلى الله عليه وسلم قال “رأيت فى المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلى إلى أنها اليمامة أو هجر، فإذا هى المدينة يثرب” رواه مسلم.

 

والتي لم يكن عبثا أن اختارها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم مهجرا خصيبا تتحقق فيه كل عوامل الحضارة والاستقرار والنماء، فهي منذ غابر الأزمان ذات ثمار وبساتين وغلال وأسواق وتجارات وطريق للقوافل التجارية, تزاحمت في أسواقها العير المحملة بالبضائع وتصافقت في ثناياها أكف العقود والبياعات، وقد أسس عليه الصلاة والسلام مسجده الشريف لعلمه أن استقرار الإيمان ينبثق من هذا الجانب وتشرق شمسه من هنا فكان منطلقا للتربية الإسلامية ورعاية شئون المسلمين في جميع المجالات، ثم أسس المجتمع الإسلامي على أسس العقيدة والعبادة الصحيحة والأخوة والحب في الله ليكون منه القيادة المسلمة المنضبطة بشرع الله، وهذا ما يسمَّى في الوقت المعاصر بالجبهة الداخلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى