مقال

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلاقه بينهما “الجزء الثانى “

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلاقه بينهما “الجزء الثانى ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع المسجد والسوق والعلاقة بينهما، وعندما استقر المجتمع المدني للمسلمين في المدينة المنورة وتوطدت دعائم المدنية فيه دعت الحاجة إلى سوق مستقرة تواكب استقرار المجتمع وتساير متطلباته، عندئذ كان لابد من البحث عن سوق تتوافق في ضوابطها وتعاملاتها مع أسس ومبادئ الدين الجديد وحضارة التعاليم النبوية التي لا غش فيها ولا خداع، فكان أقرب النظر إلى العين سوق رائجة ناشطة في صفقها ومبايعاتها اضطرت الظروف المسلمين للتبايع فيها ومزاولة أنشطة التجارة فيها لكن وفق أحكام الدين الجديد وشريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد تبايعوا فيها إلى حين, على اعتبار أن اليهود أنشئوها وفق شروطهم وكانت لليهود فيها اليد العليا.

 

فهم أرباب المال وأباطرة الذهب ولهم خبرتهم الطويلة في فنون التجارة واحتراف البيع والشراء، وبعد مدة أخذت أنشطة المسلمين التجارية تزداد شيئا فشيئا بالتزامن مع استقرار المعاش وتزايد عدد سكان المدينة المنورة وزيادة الوافدين الجدد إلى هذا الدين الجديد, وأمام مضايقات وخداع اليهود للمسلمين عموما وللتجار منهم خصوصا وبسبب التباين في المبادئ التي تقوم عليها تجارة كل من الفريقين فهناك تجارة تقوم على السحت والربا وهي تجارة اليهود, وأخرى تقوم على تقصي أقصى درجات الطهر والنقاء والبعد عن دنس الشبهات والمحرمات وهي تجارة المسلمين، وكان لابد من أن ينحى النبي صلى الله عليه وسلم في رؤيته الإصلاحية.

 

للنشاط التجاري الإسلامي الناشئ منحا جديدا فيه تصحيح لمسار النشاط التجاري عموما ووفق خطوات إصلاحية ذات طابع استقلالي عن الروح التجارية الخائنة التي كانت تشوب تجارات ومبايعات اليهود في سوقهم فأنشأ السوق الإسلامية ليحرر مال المسلمين من الخبائث والمعاملات الظالمة، وهذا ما يطلق عليه في الاقتصاد بالبنية الاقتصادية الأساسية، وحتى يؤكد للناس شمولية الإسلام فهو دين ودنيا يعطي للنفس حظوظها من الدين كما يعطيها حظها من الدنيا، فكانت خطوته تلك فيها معالم كثيرة يجب على المسلمين عامة وأرباب التجارات خاصة أن يعوها وهي أنه صلى الله عليه وسلم لما أسس مجتمعه الجديد أسس أول ما أسس فيه مسجدا ثم سوقا؟

 

وهذا يعني لنا أمورا ومدلولات كثيرة، منها أن العبادة وحدها لا تكفي فالدين الإسلامي ليس مجرد طقوس ونسك ورهبانية فقط وانقطاع عن الناس فلابد من تلبية حاجات المجتمع الاقتصادية فكان انتشاء السوق، وإن اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لمدينة يثرب إنما كان بتأييد وتوفيق من الله تعالى روعيت فيه اعتبارات دقيقة، كيف لا والهجرة لم تكن فقط موقفا تعبديا ينتظر منه الحماية للمسلمين فحسب، بل كان حكما ربانيا بإنشاء مجتمع إسلامي متكامل اقتصاديا واجتماعيا يتطلع فيه المسلمون إلى مستقبل واعد مشرق خلال المراحل المقبلة، لم يقع اختياره صلى الله عليه وسلم على يثرب بالصدفة، هو الذي كانت له تجارب مع مواقف أخرى داخل وخارج الجزيرة العربية.

 

 

مثل بني حنيفة، والطائف، والحبشة، بل لاشك أنه وفق لهذا الاختيار بتأييد من ربه لاعتبارات يمكن أن نجملها بما يلي أولا الموقع الجغرافي للمدينة، فإن الموقع الجغرافي لأية مدينة يعتبر من أهم العوامل التي تحدد مدى تطورها وازدهارها، بل إن نشأة وتطور كثير من المدن والحواضر يرجع في المقام الأول إلى الخصائص الجغرافية التي تميز موقعها، ويثرب تمتاز بموقعها الجغرافي على طريق تجارة الشام عصب الاقتصاد القرشي ومتاخمتها لمنطقة حضارية عريقة في الشمال، وثانيا هو توافر بنية اقتصادية مهمة من خلال تنوعها ومستوى تطورها، فهناك الزراعة التي تعتبر يثرب إحدى أهم واحاتها في الجزيرة العربية إلى جانب الطائف وعسير وحضرموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى