مقال

نفحات إيمانية ومع أسواق الدنيا الفانية “الجزء الأول “

نفحات إيمانية ومع أسواق الدنيا الفانية “الجزء الأول ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

يجب عليك أيها المسلم أن تفكر في نفسك، ففي العام الماضي كان معك إخوة أصبحوا الآن في قبورهم مرتهنين، لا يملك الواحد منهم أن يزيل سيئة من سيئاته، ولا أن يكتسب حسنة فوق حسناته، وما أصابهم فسوف يصيبك، تعداك الموت إليهم، وسيتعدى غيرك إليك، حاسب نفسك، أنقذ نفسك قبل ألا تستطيع، فما من ميت يموت إلا ندم، إن كان محسنا ندم ألا يكون ازداد خيرا، وإن كان مسيئا ندم ألا يكون قد فعل شرا، فأنقذ نفسك ما دمت في زمن الإمهال، كل شيء بيديك الآن، إن كنت ظالما لأحد تستطيع أن تستحله من مظلمته أو تردها عليه، إن كنت مسرفا على نفسك في ما بينك وبين ربك يمكنك أن تنقذ نفسك من هذا الإسراف فحاسب نفسك، وإياك أن تلهك أسواق الدنيا الفانية.

 

عن أسواق الأخرة الباقية فبضاعة الأخرة الأن متوفرة وسيأتي عليك زمان لا تستطيع أن تدخل أسواق الأخرة، فيا عجبا من معرض عن حياته وعن حظه العالى ويلهو ويلعب، ولو علم المحروم أي بضاعة أضاع لأمسى قلبه يتلهب، فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أصعب، فبادر قبل أن تبادر، فهذه أسواق الدنيا وما أدارك ما أسواق الدنيا الشيطان يرفع رايته وينصبها فيها انتصارا وإعلانا منه على أنه لم يخسر معركة الأسواق ففيها تجد الكذب، والغش والاختلاط، والسرقة، إلا من رحم ربك راجت فيها بضاعته، وذلك يدل على كراهة دخول الأسواق، ومحل هذه الكراهة لمن لم يكن له حاجة في السوق من بيع وشراء أو حسبة أو زيارة ونحو ذلك من المقاصد.

 

ولقد كانت الرسل الكرام يبتغون من فضل الله فيها بالتجارة والشراء ونحو ذلك، وكان الصحابة يتاجرون ويحترفون في الأسواق، وكان ابن عمر وأبو هريرة يدخلان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما، فالمقصود أن دخول السوق لحاجة لا كراهة فيه، أما لغير حاجة فيكره لأن الداخل إليها لا يسلم من رؤية منكر أو سماعه، واعلموا أن أحب البلاد إلى رب العباد المساجد حيث الراكع والساجد وأبغض البلاد الأسواق لما فيها من سخط ولغط فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها” وذلك لأنها محل الغش، والخداع، والربا، والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه.

 

والمساجد محل نزول الرحمة، والأسواق ضدها، ولأن المساجد يذكر فيه اسم الله تعالى، والأسواق قد غلب عليها اللغط واللهو والاشتغال بجمع المال، والتكالب على الدنيا من الوجه المباح وغيره، وأما إذا ذكر الله في السوق فهو من أفضل الأعمال، وهذا ما يدل على كراهة دخول الأسواق، لا سيما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النساء، وهكذا قال علماؤنا، لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المنكرات، كره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدين، تنزيها لهم عن البقاع التي يعصى الله فيها، فحق على من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده، وأنه إن أقام هناك هلك، ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته، وتحرز من سوء عاقبته وبليته.

 

وإن أسواق الأخرة تلك هي البحار الزاخرة بالأرباح وبالنجاح وبالفلاح الربح فيها مضمون والتجارة فيها لن تبور الداخل إليها كسبان والمتجول فالتجارة فيها مع الغني الحميد مع الرزاق المجيد، فإنه تاجر مع الله فإنه وحده الذي يشتريك بأغلى الأثمان، فقال تعالى “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة” فانه تعالى يعطيك الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فقال الله تعالى “من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون” فإن الله عز وجل اشترى شربة ماء لكلب بالجنة، وإنه سبحانه يحب كلمات لسانك ودمعة عينك وقطرة دمك وأثر رجلك على الأرض، وانه يناديك في الثلث الأخير من كل ليلة لتتاجر معه، وإن في تلك الأسواق جنة عالية قطوفها دانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى