مقال

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء العشرون “

نفحات إيمانية ومع التخطيط والهجرة النبوية ” الجزء العشرون ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العشرون مع التخطيط والهجرة النبوية، وقد أبرزت لنا حوادث الهجرة شهامة عثمان بن أبى طلحة رضى الله عنه قبل إسلامه مع السيدة أم سلمة رضى الله عنها، فعن أم سلمة رضى الله عنها قالت خرجت أريد زوجى بالمدينة، وما معى أحد من خلق الله، قالت فقلت أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجى، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبى طلحة أخا بنى عبد الدار، فقال لي إلى أين يا بنت أبى أمية؟ قالت فقلت أريد زوجى بالمدينة، قال أوما معك أحد؟ قالت فقلت لا والله إلا الله وبنى هذا، قال والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معى يهوى بى، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بى.

 

ثم استأخر عنى، حتى إذا نزلت استأخر ببعيرى، فحط عنه، ثم قيده فى الشجرة، ثم تنحى وقال اركبى، فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بى، فلم يزل يصنع ذلك بى حتى أقدمنى المدينة، وإن من أروع الأمثال التى ضربها لنا النبى صلى الله عليه وسلم فى العفو أن عاداه قومه وأذوه وأخرجوه من بلده التى يحبها وحاربوه وتحالفوا عليه، ولكن بعد أن عاد إليهم ودخل مكة فاتحا بعد ثمانية أعوام عفا عنهم صلى الله عليه وسلم جميعا وقال لهم “اذهبوا فأنتم الطلقاء” وقد تمثل مواقف النبى صلى الله عليه وسلم فى الهجرة بجميع مراحلها الدرس العملى للقدوة من حيث الصبر والتضحية والعمل بدون يأس، ثم التخطيط الجيد والتنفيذ وانتهاء بالاستقرار والبناء.

 

 

“ولقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” ويحتفل المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها الليلة ببداية عام هجرى جديد، وإن للهجرة معانى كثيرة ودروس وعبر إذا تدبرها الإنسان كانت له نورا ينير طريقه، ومن معانى الهجرة الشريفة أنه لا تزال نسائم الهجرة النبوية وذكرياتها وعبرها تتجدد على الأمة الإسلامية فى كل عام، ولم يزل الوعاة المهديون من الأمة يرون أنفسهم فى هجرة لا تتوقف، لأن مشقة الحياة وصعابها لا تنقضى، ولأن صراع الحق والباطل قائم قيام هذه الدنيا، وفى الهجرة من عظيم المعانى ما هو عُدة لأبناء الإسلام فى ذلك الصراع المستمر، ومن أول هذه المعانى وأشدها مناسبة لما نعيشه فى أيامنا هذه الوحدة أساس القوة.

 

فكانت الهجرة النبوية انتقالا من الضعف والاضطهاد إلى القوة والعزة، وأسست مبدأ عهد جديد وهو عهد بدء دفع العدوان على الحق بالقوة، حيث آخى النبى صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وكان هذا التآخى بين الأصحاب أول نواة تنبت منها القوة المنشودة ضد المعتدين، وأن من معانى الهجرة النبوية، هو صبر الدعاة على تبليغ رسالة الحق، فقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثة عشر عاما يشرحون فيها الدين الحق للمشركين شرحا أبان الجادة لكل أحد، وقامت به الحجة الباهرة على كل نفس، وعظيم صبرهم أمام ما لقوا فى سبيل الحق من صنوف العنت فخر خالد لهم مدى الدهر، وأسوة حسنة وأمثولة عليا للذين يجاهدون لإعلاء كلمة الدين.

 

ويسعون فى أن يعيدوا إليه مجده وجدته بعزائم لا تعرف الخنوع والاستسلام ولا التواكل والتكاسل، ومع إطلالة عام هجرى جديد هل وضعنا في اعتبارنا ونحن نخطط لهذا العام مسألة “قربنا مِن الله”؟ فهل سألنا أنفسنا كيف أحوالنا مع الصلاة؟ وهل راجعت نفسك مع عمود الدين؟ وهل وقفت مع أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة؟ تلك التي بصلاحها صلح سائر العمل، وبفسادها فسد سائر العمل، هل نصلي بخشوع تام، أو على الأقل حاولنا تحصيل ذلك، أو لا نزال ننقرها نقرا؟ هل صليناها في وقتها، وهو العمل الذي يعد من أحب الأعمال إلى الله، أو أننا أديناها خارج وقتها؟ ثم ماذا عن السنن والرواتب؟ هل وضعنا في تخطيطنا لهذه السنة القرآن كتاب الله العظيم، وتلك المعجزة الخالدة.

 

الكتاب الذي تراه أعيننا ليل نهار في المساجد، والمنازل، والمكاتب، هل حاولنا تأمله وتدبره؟ وهل تأملنا قوله تعالى فى سورة ص ” كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب” أو لا نزال نقرؤه بالصورة التي لا تخرُج عن تحريك اللسان دون الجنان، ثم إني أريد أن أسأل سؤالا آخر، وهو أنه هل نحن في آخر الزمان، أو في أوله؟ لو تأملنا النصوص الواردة في القرآن، لوجدناها جميعها تتحدث حول قرب الساعة، فقال تعالى “اقتربت الساعة وانشق القمر” وقال تعالى “اقترب للناس حسابهم وهم فى غفلة معرضون”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى