مقال

نفحات إيمانية ومع الهجرة النبوية المباركة ” الجزء التاسع “

نفحات إيمانية ومع الهجرة النبوية المباركة ” الجزء التاسع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع الهجرة النبوية المباركة، فإن طريق الإيمان فيه كثير من الإيذاء ولكنه على الناحية الأخرى فيه كثير من الأخذ بعيون المشركين وأعداء الله تعالى، ويكفينا في ذلك ما كان يقرؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من بيته والمشركون يحاصرونه، فقال تعالى “وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيانهم فهم لا يبصرون” وليست هذه الحماية الربانية خاصة بالأنبياء فقط ولكنها تحدث كذلك مع كل المؤمنين، فيكون الأمر واضحا كمعجزة مع الأنبياء لكن قد يفعله الله عز وجل مع المؤمنين دون أن يُطلع الناس عليه، فيأخذ عنهم أبصار أعدائهم في مواقف عدة، وإن التخطيط في السنة النبوية هو امتداد للتخطيط في القرآن الكريم.

 

ومُستمد منه، وقد اشتملت السنة النبوية على عدد كبير من صور التخطيط القائمة على مبدأ التوكل والاعتماد على الله سبحانه وتعالى أولا، والأخذ بالأسباب بعد ذلك، وحادثة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي معروفة حيث جاء ذلك الأعرابي وأخبره بأنه ترك ناقته عند باب المسجد دون أن يعقلها بعد أن توكل على الله، ولكنها هربت، فأخبره النبي عليه الصلاة والسلام بأنه كان عليه أن يتوكل على الله ويعقل الناقة حتى لا تهرب، ومن صور التخطيط في السنة النبوية قول الرسول صلى الله عليه وسلم “لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين” رواه البخاري ومسلم، والدروس المستفادة من هذا الحديث في مجال التخطيط هو الاتعاظ، وأخذ العبرة من الماضي.

 

وعدم تكرار الأخطاء، وأن يأخذ المسلم الحذر والحيطة في الأعمال التي يقدم عليها، وقد قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عادني النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع من مرض أشرفت فيه على الموت، فقلت يا رسول الله، بلغ مني من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال “لا” قال أفأتصدق بشطره؟ أي نصفه قال “لا” قال أفأتصدق بثلثه، قال “فالثلث يا سعد، والثلث كثير، فإنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس” رواه البخاري، ويوضح هذا الحديث أن الاحتياط واجب، وأن الإنسان يجب أن يعتمد على نفسه بعد الله عز وجل مع الأخذ بالأسباب لكي يعيش عيشة كريمة تقيه من ذل السؤال.

 

أو الاعتماد على الغير، فلما قرر النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة، خطط لها تخطيطا دقيقا محكما، ويتجلى ذلك في اختيار الصديق المناسب، القادر على إنجاح العملية، وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو دور الكبار، وكذلك فى تجهيز الوسائل الضرورية قبل الموعد بزمن كاف، لتفادي السرعة والارتباك، الذين قد يحصلا لحظة الهجرة ولذلك جهزت الراحلة قبل الموعد بأربعة أشهر، وبسرية تامة، وكذلك إتقان دور المخادعة والمخاتلة الحربية، لضمان تحقيق المهمة بغير مفاجآت، كتكليف علي بن أبي طالب بالنوم في فراش النبي صلى الله عليه وسلم تمويها على المشركين وتخذيلا لهم، وهذا دور الفتيان الأقوياء، وكذلك إشراك النساء في إنجاح الهجرة بما يناسب دورهن.

 

حيث تقول عائشة رضي الله عنها متحدثة عن نفسها وأختها أسماء فجهزناهما، أي الراحلتين أحث الجهاز، أي أسرعه والجهاز ما يحتاج اليه في السفر، وصنعنا لهما سفرة، أي الزاد الذى يصنع للمسافر في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سُميت ذات النطاقين” رواه البخاري، وكذلك من الخطيط هو تخصيص حيز للأطفال لإبراز دورهم في هذا الحدث العظيم، ويمثله دور عبدالله بن أبي بكر، الذي كان يتقصى أخبار قريش، وينقلها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وهما في غار ثور، وكان من جميل التخطيط، هو تكليف الراعي عامر بن فهيرة أن يسلك بقطيعه طريق الغار، ليزيل آثار الأقدام المؤدية إليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى