مقال

نفحات إيمانية ومع ولا تفسدوا فى الأرض ” الجزء الثالث “

نفحات إيمانية ومع ولا تفسدوا فى الأرض ” الجزء الثالث ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع ولا تفسدوا فى الأرض، فيقول الله تعالى ” وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ” وكانت النهاية المؤلمة، والمشهد المخزي، والفضيحة والعقوبة الإلهية التي تنتظر الأفاكين، وقارون نموذج لهم فقال الله تعالى ” فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين ” ولئن خسف بقارون بشخصه، فلا يزال يستنسخ نموذجه، ولا يزال مفسدون يسيرون على خطاه، ولا بد أن يواجهوا نفس المصير الذي واجهه إن لم يتراجعوا حساباتهم ويستغفروا ربهم، إن الفساد والإفساد شر وبلاء، فإن العبد قد يكون عبد سوء وفساد، وقد يكون عبد خير وتقوى، فإن تخلق بالدين، والخلق القويم، وامتلأ قلبه إيمانا وتقوى، سعى في إصلاح البلاد والعباد.

 

وإن انحرف معتقده، وساء سلوكه، سعى في إفساد البلاد والعباد، والفساد والإصلاح أمران متناقضان، وكل يدعي لنفسه أنه المصلح، ولكن كما قال الله تعالى فى سورة البقرة ” والله يعلم المفسد من المصلح ” وقال الله عن المنافقين إنهم إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون كما جاء فى سورة البقرة ” ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” فكانوا إذا نهوا عن الفساد في الأرض بكفرهم بالله، وتكذيبهم لرسوله صلى الله عليه وسلم، وعملهم بخلاف ما يظهرون ” قالوا إنما نحن مصلحون” ولكن قال الله تعالى ” ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون” قال الله تعالى فى سورة المائدة ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ”

 

وإن من أعظم الفساد فى الأرض هو قتل الناس بغير حق مهما كانوا، مسلمين أو غيرهم، مع أن هذه الآية جاءت في حادثة مخصوصة فقد نزلت في قوم من العرنيين “عكل أو عرينة” وقد أصابهم مرض في المدينة، حيث لم يوافقهم هواؤها، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبل ليشربوا منها ومعهم الراعي بأن يخرجوا من المدينة، فلما تشافوا وتعافوا من مرضهم قتلوا الراعي، وقتلهم للراعي كان فظيعا، حيث إنهم قطعوا يديه ورجليه وغرزوا الشوك في عينيه وتركوه في الشمس حتى مات ثم استاقوا النعم، هنا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يقبض عليهم فتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، فهؤلاء قوم سرقوا وعذبوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

 

إذا الآية كما قال أهل العلم ليست مخصوصة بزمن أو أمة، فهي في من خرج يقطع السبيل ويسعى في الأرض بالفساد، وهي بالمحارب الذي يحمل على الناس في المدن والبرية وكابرهم عن أنفسهم وأموالهم من دون ثائرة أى هائجة، ولا عداوة، فإن إخافة السبيل وأخذ المال يوجبان قطع اليد والرجل لإخافته لهم وأذيتهم في حياتهم وطرائق أحوالهم، فهذه العقوبة الشديدة تردعهم، ومن يحاول في المستقبل أن يقترف مثلهم من الآثام والمحارم المتعلقة بحقوق الناس، فكلما تغلظت العقوبة وطبقت في الحال ولم تتأخر كان فعلها في غيرهم أبلغ، وإن المفسدون مع إفسادهم يكرهون الناصحين، ويعيبون على غيرهم ما يعاب عليهم، وقد أصمهم الهوى والطغيان عن مجرد الالتفات للناصحين، فضلا عن سماع المخلصين.

 

وربما بلغ بهم الأمر أن لبسوا الناصحين بالفساد والإفساد، ولكن الله عالم السر وأخفى، وعباد الله يميزون الخبيث من الطيب، والمجتمعات الواعية هي التي تقبل النصح، وفي تاريخنا، ولقد كان النهي عن الفساد وظيفة مهمة للرسل عليهم الصلاة والسلام فنبى الله صالح عليه السلام قال لقومه كما جاء فى سورة الأعراف ” فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مسرفين” ونبى الله شعيب عليه السلام قال لقومه كما جاء فى سورة هود ” ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ” ونبى الله لوط عليه السلام قال لقومه كما جاء فى سورة العنكبوت ” رب انصرنى على القوم المفسدين ” وهكذا حارب المرسلون الفساد، وهتكوا أستار المفسدين، وكان الناهون عن الفساد بقية من القرون يستحقون الإشادة والفضل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى