مقال

نفحات إيمانية ومع السلام مع النفس والكون ” الجزء الخامس “

نفحات إيمانية ومع السلام مع النفس والكون ” الجزء الخامس ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع السلام مع النفس والكون، ولذلك فإن من حكمة الله تعالى ورحمته بالبشر لما أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض أن جعل فيها من مقومات الأمن والرزق ما يُمكنه وذريته من العيش فيها، فقال تعالى فى سورة الأعراف “قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين” والأرض لا تكون مستقرا لبني آدم إلا بتوافر الأمن، لأن من نتائج الخوف الاضطراب وعدم الاستقرار، والمتاع ما يتمتع الناس به من رزق الله تعالى، ولو لم تكن الأرض آمنة إلا من عدوان الناس بعضهم على بعض، وإخافة بعضهم بعضا لاستحال عيشهم فيها، ولو كانت خالية من الأرزاق لهلكوا، ولأهمية هاتين النعمتين الأمن والرزق.

 

نبّه الأنبياء عليهم السلام أقوامهم عليها، وبيّنوا عظيم منّة الله تعالى عليهم بها فهذا نبى الله صالح عليه السلام يقول لقومه، كما جاء فى سورة الشعراء ” اتتركون فى ما هاهنا آمنين، فى جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم” ودعا نبى الله إبراهيم عليه السلام ربه أن يؤمّن بيته الحرام، ويجبي إليه الأرزاق فقال عليه السلام، كما جاء فى سورة البقرة ” رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر” وفي الآية الأخرى كما جاء فى سورة إبراهيم ” ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون” ويوم أن ألهم الله تعالى الخليل عليه السلام.

 

أن يدعو بهذه الدعوات المباركة لم تكن مكة آهلة بالسكان بل كانت واديا مهجورا، فأراد الله تعالى بحكمته أن تعمر ويُعمر فيها بيته، وأن تصير مهيع الحضارات، ومهوى أفئدة الناس، وذلك لا يكون إلا بحلول الأمن فيها، وتدفق الرزق والخيرات عليها، فالبشر يستوطنون ويعمرون حيث يوجد الأمن والأرزاق، فاستجاب الله تعالى دعوة الخليل عليه السلام وجعل البيت مثابة للناس وأمنا، يثوب الناس إليه من كل مكان آمنين، بما قدره سبحانه فيه من أسباب الأمن والرزق، وبما توارثه سكانه من تعظيم للبيت عن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وحتى بعد شركهم وانحرافهم عن الحنيفية، بقي فيهم تعظيم البيت على مر العصور، وتتابع الأجيال، من عهد الخليل إبراهيم عليه السلام.

 

إلى بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا دخلوا البيت وضعوا السلاح، وكفوا عن الثأر، حتى إن الرجل ليرى قاتل أبيه فلا يمسّه بِسوء تعظيما للبيت الحرام، فإن ما نعمت به مكة من أمن وأرزاق منذ دعوة إبراهيم عليه السلام إلى يومنا هذا ما كان إلا بقدر من الله تعالى واختيارا لهذه البقعة المباركة، التي ما كانت صالحة للعيش قبل ذلك، ثم جاءت شرائع الأنبياء عليهم السلام لتؤكد على أمنها، وتحث الناس على قصدها لعبادة الله تعالى فيها، فحصل الأمن والعمران، وتدفقت عليها الخيرات في وقت كان من حولهم لا يأمنون ولا يشبعون، حيث قال الله عز وجل فى سورة العنكبوت” أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون”

 

ولما رفض المشركون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وكان من تعليلاتهم في رفضها أنهم إن تركوا إرث الآباء والأجداد اجتمعت العرب على حربهم ففقدوا الأمن والرزق، فقال تعالى فى سورة القصص ” وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا” فكان جواب الله تعالى عليهم ” أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل ثمرات كل شئ رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون” وقال ابن زيد “كانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضها بعضا، فأمنت قريش من ذلك لمكانة الحرم، وقرأ قول الحق سبحانه وتعالى ” أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل ثمرات كل شئ” وقال ابن جزي “وكان غيرهم من الناس تؤخذ أموالهم وأنفسهم”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى