مقال

نفحات إيمانية ومع عوامل بناء الحضارات والأمم “جزء 4 “

نفحات إيمانية ومع عوامل بناء الحضارات والأمم “جزء 4 ”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع عوامل بناء الحضارات والأمم، فكان المجتمع قبل بعثة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أشبه ما يكون بالغابة الواسعة المظلمة يتيه فيها القوم، فكان قويهم يأكل ضعيفهم، لا يعرفون طريقا يهديهم إلى الخروج من تلك الغابة، ولا يستأنسون بمرشد يرشدهم إلى طريق الصواب، فالقدرات البشرية معطلة أو ضائعة لم ينتفع بها، ولم توجه التوجيهَ الصحيح السليم، فكانت وبالا على أصحابها وعلى الإنسانية جمعاء، فعمت الفوضي وانتشر الظلم، والفساد بعبادة الأصنام وشرب الخمور، وأكل الميتة ووأد البنات وبالجملة لم تكن هناك فضائل تذكَر أو تعد، فصار الخير شرا، وتبدل ظلاما وعتمة، عمت القلوب، وطمست الأبصار عن جادة الطريق.

 

وإزاء تلك الصورة القاتمة لهذا المجتمع الجاهلي الذي عاصره الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، كان لزاما عليه، صلوات الله وسلامه عليه، أن يقوم ببناء وعمارة هذا المجتمع ، ليكون مجتمعا فاضلا يشعر فيه الإنسان من جديد بكيانه وكرامته وقيمته، ويدرك حقيقة وجوده على الأرض، يشعر بالانتماء لعقيدته ووطنه ويعتز بالانتساب إلي هذه العقيدة، فيعمل جاهدا من أجل تحقيق غايته في الوجود، وهي عبادة الله تعالي ومعرفته وعمارة الأرض وتحقيق الخلافة في الأرض، وإن عمارة الأرض هي التمكين كما هو واضح من قوله سبحانه وتعالى فى سورة الأعراف ” ولقد مكناكم فى الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون”

 

ولاشك أن المجتمع الذي أنشأه النبي صلى الله عليه وسلم هو مثال للمجتمعات الآمنة المستقرة، وقد ظهر ذلك جليا منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ في تكوين الدولة، ويرجع أمن واستقرار المجتمع هذا إلى عدة مقومات منها إن من أهم تلك الأسس أو المقومات التي وضعها رسول البشرية صلى الله عليه وسلم لهذا المجتمع الإسلامي الجديد، وهو البناء العقائدي للإنسان، وهو البناء العقائدي الذي يهدف من خلاله بناء الإنسان الذي يقوم علي عاتقه بناء الأوطان لأن بناء الإنسان مقدم علي يناء الأوطان فهو مطلب إنساني وايضا مطلب قرآني بدأ النبي الكريم صلي الله عليه وسلم بتربية الروح والعقل، فبدأ ببناء الإنسان، وذلك بتحرير العقول من الأوهام.

 

ومن الجاهلية ومن العبودية، ومن التخلف، فلا يكتمل بناء الوطن إلا بالعمل على بناء الإنسان وتطوير الكفاءة، فالعقيدة السليمة، هي اللبنة الأساسية في بناء شخصية المسلم على مستوى الفكر والسلوك، وهي العنصر الفعال المحرك لعواطفه والموجه لإرادته، وإن العقيدة، هي قضية الإنسان الكبرى ومسألته الأساسية في هذه الحياة، لأنها تجيبه عن سر وجوده في هذا الكون، وتكشف له عن خالقه وخالق المخلوقات من حوله، وتحدد له علاقته بهذا الخالق وبالكون والوجود، وتبين له مصيره ونهايته، ولهذا ركزت عقيدة التوحيد الإسلامية في بنائها للإنسان على البناء الفكري والنفسي والسلوكي، لتبلغ به ذروة الكمال الإنساني وترتقي به صعدا نحو السعادة المنشودة.

 

فركزت العقيدة على البناء الفكري فقد اتبعت عقيدة التوحيد في بنائها للإنسان منهجا سديدا يتحدد في خطوات متتالية، فأول خطوة بدأت بها في سبيل هذا البناء، هو تحرير العقل الإنساني من كل الأوهام والخرافات التي علقت به مع مرور السنين والأعوام، وتفريغه من كل المقررات السابقة التي لم تقم على يقين ولم تستند إلى دليل، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أولو كان آباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون” وأيضا توجيه العقل إلى منهج التثبت من كل أمر قبل الاعتقاد والتسليم به، وعدم الاعتماد على الظنون في بناء الحقائق والمعتقدات، حيث قال الله تعالى فى كتابه ” وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يعنى من الحق شيئا”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى