مقال

نفحات إيمانية ومع الإنسان ما بين الكراهية والبغضاء “جزء1”

نفحات إيمانية ومع الإنسان ما بين الكراهية والبغضاء “جزء1”

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

إن الحقد هو طاقة في النفس البشرية ينبغي أن توجه، مثل الكرب، ومثل البغض، وما في نفس بشرية ما تبغض ولا تكره، فإن الحب والبغض خطان متقابلان في النفس البشرية، فالحقد طاقة ينبغي أن توجه في وجهتها الصحيحة، ولكن نحن نحقد على من؟ فيجب علينا أن نحقد، على الكفرة المجرمين الذين يسومون المسلمين العذاب وما عندهم إيمان، ويجب أن نحقد على الكفرة الذين يحاربوننا في الدين، فإن صدور المؤمنين لا محل للحقد فيها لأن الأصل في صدورهم أنها سليمة مملؤة بالمحبة وإرادة الخير للآخرين، فلا مجال للغل فيها، وإن مرت الكراهية والبغضاء الموجدة فهي تمر مرور عابر سبيل، لا تجد مكانا ليستقر.

 

وهكذا العوارض الغريبة تنطرد من الوسط الذي لا يتقبلها، فتأمل كيف أثنى الله على المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم بإحسان، قال الله عز وجل فى سورة الحشر ” للفقراء والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون” فهذا الفيء لمن؟ للفقراء المهاجرين الذين هذا ما أصابهم في سبيل الله وصبروا أولئك هم الصادقون، فلا يجد الأنصار في صدورهم حقدا ولا حسدا على المهاجرين من الفضل الذي أوتيه المهاجرون، فإن المهاجرين أفضل، لكن الأنصار ما حسدوهم على هذه الأفضلية، والذين جاؤوا من بعدهم، وساروا على هديهم.

 

الذين جاؤوا من بعدهم، التابعين بإحسان، ولقد ضرب نبى الله يوسف عليه السلام المثل، ضرب مثلا عاليا في رفض الحقد من نفسه، تصور وتأمل فيما فعل دلالة على عظم خُلقه ومنزلته وأخلاق نبوته، لقد ظلمه إخوانه ظلما بينا عظيما، فحقدوا عليه فماذا فعلوا به؟ حسدوه على هذه المنزلة من أبيه، ظلموه ظلما عظيما، منذ الصغر أخذوه من بين أبيه وأمه، وأغلظوا له، واجتمعوا حوله في العراء، لم يردعهم صغر سنه، ولا الغربة والوحشة التي سيكون فيها، ولا توصية أبيهم لهم، حرموه من أبيه وأمه وأخيه الأصغر، وألقوه في غيابة الجب، في ظلمته ووحدته ووحشته لا أنيس، على شفا هلكة، يصرخ ولا يجيب، ما في قلوبهم رحمة في تلك اللحظات.

 

وكانوا سببا في بيعه واستعباده، صار عبدا ذليلا، وقد كان حرا عند أبيه، وإن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند، وليس من اليسير على النفس أن تنتقل من حال الحرية إلى حال الذل والعبودية، ولكن ألقوه في غيابة الجب، وصار سببا في بيعه في سوق مصر، سوق النخاسة، واشتري عبدا ذليلا، ثم كانت هذه الغربة سببا في ابتلائه ووقوعه وذهابه إلى السجن لأنه لما وقع في قوم لا يعرفون قدره كادوا له وسجنوه، والمسألة كلها متسلسلة هذه الأذية من الأذية الأولى، وهي إلقاء إخوته له بالجب، لما حسدوا حقدوا عليه وفعلوا ما فعلوا، وإن هذه الأفعال في الشخص العادي ماذا تورث؟ ما هو المتوقع؟

 

وهى أن تورث الحقد الأسود الدفين عليهم، لكن نفس النبي الكريم تأبى هذا، والقلب الصافي لا يمكن أن يحقد، ولذلك لما قدر عليهم نبى الله يوسف عليه السلام ليس قبل أن يقدر عليهم سامحهم، والمتوقع الآن إنزال أقصى درجات العقوبة بهؤلاء لما قدر عليهم، قال لهم كما جاء فى سورة يوسف ” لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” فهذا أخلاق الأنبياء، فإذن، عندما تتوالى دواعي الحقد في نفس الإنسان، ويُظلم من أقرب الناس إليه، ثم لا يحقد، معناها أنه صاحب دين وإيمان، وقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم مبينا وموضحا خطورة الحقد ” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال إصلاح ذات البين “رواه أبو داود وأحمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى