مقال

نفحات إيمانية ومع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان ” جزء 2 “

نفحات إيمانية ومع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان ” جزء 2 ”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان، وأن المتأمل في الشريعة الإسلامية، يجد أنها قد حثت العلماء على إعمال العقول بالاجتهاد لاستنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية، بما ييسر للناس أمور حياتهم، وتنصلح به أحوال معاشهم ومعادهم، مع الحفاظ على ثوابت الشرع الشريف وعدم المساس بها، حيث يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ، فله أجر، ويُعد الإمام أبو حنيفة تابعيا من التابعين، إذ قال أبو حنيفة لقيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وهم أنس بن مالك، وعبد الله بن جزء الزبيدي، وجابر بن عبد الله، ومعقل بن يسار، وواثلة بن الأسقع.

 

وعائشة بنت عمر، وعبد الله بن أنيس، رضي الله عنهم، وقد روى الإمام جلال الدين السيوطي عن الشيخ ولي الدين العراقي أنه قال الإمام أبو حنيفة لم يصح له رواية عن أحد من الصحابة، وقد رأى أنس بن مالك، فمن يكتف في التابعي بمجرد رؤية الصحابي يجعله تابعيا، ومن لم يكتف بذلك لا يعده تابعيا، ويُروى عن أبي حنيفة أنه قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “طلب العلم فريضة على كل مسلم” فكان الإمام أبو حنيفة صاحب علم غزير، وقد شهد له العلماء بذلك، فقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة، كان أبو حنيفة ممن وُفق له الفقه.

 

وقال الناس عيال على أبي حنيفة في القياس والاستحسان، وقيل للقاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ترضى أن تكون من غلمان أبي حنيفة؟ قال ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبي حنيفة، وروي عن عبد الله بن المبارك أنه قال لولا أن الله عز وجل أعانني بأبي حنيفة وسفيان، كنت كسائر الناس، ومما لا شك فيه أن الإمام أبا حنيفة النعمان رحمه الله، صاحب المذهب الحنفي المشهور كان رائد مدرسة إعمال العقل في فهم النصوص، فقد رزقه الله تعالی عقلا واعيا، فلم يكن مقلدا، ولم يقف عند ظاهر النص بل نظر إلى مراميه ومقاصده، لذا أصبح الإمام رحمه الله رائد مدرسة العقل في التعامل مع النصوص.

 

حتى قال العلماء عنه الناس عالة في الفقه على أبي حنيفة، وإن الإمام أبو حنيفة رحمه الله، قد راعى في مدرسته الفقهية الزمان، والمكان، وأحوال الناس، وعاداتهم، وطبائعهم، فكان مما توسع فيه من الأدلة أدلة القياس، والاستحسان، والعرف، معتمدا في ذلك على حديث الصحابى الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه، حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن “بم تقضي؟” قال بكتاب الله تعالى، قال “فإن لم تجد؟” قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ” فإن لم تجد؟” قال: أجتهد في ذلك رأيي، فقال صلى الله عليه وسلم “الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم” فكان يتكسب من عمله في التجارة.

 

ولم يقبل على تدريسه ودعوته أجرا، وهذا هو طبع الأنبياء والرسل حيث كانوا جميعا يرددون قول الحق سبحانه وتعالى ” وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين” فقد كان يبيع الحرير الخالص والمخلوط بالصوف، وساعده ذلك على تجنبه السعي إلى الأمراء والأغنياء، بل إنه كان من أكبر تجار الكوفة في دار ابن حريث، وكان يتصدق من ربحه على الفقراء وطلبة العلم، وهذا ملمح دعوي رائع فالإنفاق على طلاب العلم يساعد على التعمق فيه، وتشجيعهم على الاستمرار، والصبر على مشقته، وله مع ذلك أجر الصدقة الجارية، والعلم الذي ينتفع به مع تواصل الأجيال في أداء تلك المهمة لنشر دين الله في الآفاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى