مقال

نفحات إيمانية ومع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان ” جزء 4 “

نفحات إيمانية ومع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان ” جزء 4 ”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان، وقد نشأ أبو حنيفة في هذه البيئة الغنية بالعلم والعلماء، فابتدأ منذ الصبا يجادل مع المجادلين، ولكنه كان منصرفا إلى مهنة التجارة، فأبوه وجده كانا تاجرين، ثم انصرف إلى طلب العلم، وصار يختلف إلى حلقات العلماء، واتجه إلى دراسة الفقه بعد أن استعرض العلوم المعروفة في ذلك العصر، ولزم شيخه حماد بن أبي سليمان يتعلم منه الفقه حتى مات حماد سنة مائة وعشرون من الهجرة، فتولى أبو حنيفة رئاسة حلقة شيخه حماد بمسجد الكوفة، وأخذ يدارس تلاميذه ما يُعرض له من فتاوى، حتى وضع تلك الطريقة الفقهية التي اشتق منها المذهب الحنفي، وقد وقعت بالإمام أبي حنيفة محنتان.

 

المحنة الأولى في عصر الدولة الأموية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام زيد بن علي، ورفض أن يعمل عند والي الكوفة يزيد بن عمر بن هبيرة، فحبسه الوالي وضربه، وانتهت المحنة بخروجه إلى مكة عام مائة وثلاثون من الهجرة وظل مقيما بها حتى صارت الخلافة للعباسيين، فقدم الكوفة في زمن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وأما المحنة الثانية فكانت في عصر الدولة العباسية، وسببها أنه وقف مع ثورة الإمام محمد النفس الزكية، وكان يجهر بمخالفة المنصور في غاياته عندما يستفتيه، وعندما دعاه أبو جعفر المنصور ليتولى القضاء امتنع، فطلب منه أن يكون قاضي القضاة فامتنع، فحبسه إلى أن توفي في بغداد سنة مائة وخمسون من الهجرة.

 

ودفن في مقبرة الخيزران في بغداد، وبني بجوار قبره جامع الإمام الأعظم عام ثلاثة مائة وخمسة وسبعون للهجرة، وكان الإمام أبو حنيفة سريع البديهة، مفحما في حواره، مدافعا عن آرائه، دخل عليه الخوارج بسيوفهم يحتسبون الأجر عند الله بإغمادها في رقبته، فقالوا جنازتان بالباب إحداهما لرجل شرب الخمر فمات سكران، والأخرى لامرأة حملت من الزنا فماتت في ولادتها قبل التوبة، أهما مؤمنان أم كافران؟ فسألهم من أي فـرقة كانا؟ أمن اليهود؟ قالوا لا، قال أمن النصارى؟ قالوا لا، قال أمن المجوس؟ قالوا لا، قال فممن كانا؟ قالوا من المسلمين، قال قد أجبتم، قالوا أهما في الجنة أم في النار؟ قال أقول فيهما ما قاله الخليل.

 

كما جاء فى سورة إبراهيم ” رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعنى فإنه منى ومن عصانى فإنك غفور رحيم” وأقول كما قال عيسى كما جاء فى سورة المائدة ” إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم” فنكسوا الرؤوس وانصرفوا، وكان في وجهه أثر السجود، يقوم الليل ويحييه، يتزين للصلاة ولو كان وحده، فالله أحق أن يتزين له، وقيل إنه ختم القرآن سبعة آلاف مرة، وكان يتم في رمضان ستين ختمة، وهى ختمة في بياض النهار، وختمة في سواد الليل، وكان يصلي العشاء والفجر بوضوء واحد أربعين عاما، وهذا مع ما فيه من المبالغة يدل على عبادة الرجل، وتنسكه، وكثرة تلاوته للقرآن، وحرصه على قيام الليل.

 

وهذا هو الزاد الضروري لكل الدعاة، فقد كان سيد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل حتى تتورم قدماه، وطالبه ربه مرارا بذلك، وكأن القرآن يشير بذلك إلى أن الدعوة لا بد أن يسبقها تهيئة للداعية بقيام الليل والتهجد بالقرآن، فكان عصره يموج بالفتن والفرق، فاتخذ لنفسه موقف الحكم الذي لا ينحاز إلا إلى الحق، وصحيح الدين، وحين يضطر إلى الحوار مع مخالفيه كان يسعفه ذكاؤه وسرعة بديهته، كما حدث منه مع الخوارج القائلين بكفر مرتكب الكبيرة، وقد سبق إيراد الحوار معهم، وصرح في الفقه الأكبر بعقيدته الواضحة في قوله “ولا نكفر مسلما بذنب من الذنوب، وإن كان كبيرة، إذا لم يستحلها، ولا نزيل عنه اسـم الإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى