مقال

نفحات إيمانية ومع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان ” جزء 5 “

نفحات إيمانية ومع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان ” جزء 5 ”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإمام الفقية أبو حنيفة النعمان، وقد صرح الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر بعقيدته الواضحة في قوله “ولا نكفر مسلما بذنب من الذنوب، وإن كان كبيرة، إذا لم يستحلها، ولا نزيل عنه اسـم الإيمان، ونسميه مؤمنا حقيقة، ويجوز أن يكون مؤمنا فاسقا غير كافر” ومن أوضح الأمثلة على عبقريته في الجدال مع مخالفيه حتى يفحمهم أنه كان على موعد مع الزنادقة الذين ينكرون وجود الله وتدبيره للكون، فتأخر عن موعده عمدا، وحين سئل عن ذلك قال لم أجد مركبا يحملني عبر النهر، فوقفت أنتظر، فإذا بلوح من الخشب يظهر فجأة، وإذا بلوح آخر ينضم إليه ويلتصق به، وبلوح ثالث، حتى صارت هذه الألواح سفينة، وليس فيها أحد.

 

فركبتها وأتيت إليكم، فقالوا جميعا إن هذا ليس من المعقول، فقال “أتتعجبون من صنع سفينة بلا صانع، وتنكرون أن يكون لهذا الكون البديع خالق مدبر؟ ومثل هذا المنطق هو الذي يفحم العلمانيين والشيوعيين واللادينيين، أما موقفه من صفات الله تعالى، فقد كان هذا العصر مليء بالفتن، تضطرب فيه الآراء حولها، وقد سبق له أن تردد على علماء الكلام في البصرة، ثم انصرف عن هذا المجال لما رأى فيه من مخالفة نهج السلف، وقرر في الفقه الأكبر “أن الله لا يشبهه شيء من خلقه، ولا يشبه شيئا من خلقه، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية، أما الذاتية فالحياة والقدرة، والعلم والكلام، والسمع والبصر والإرادة، وأما الفعلية فالتخليق والترزيق.

 

والإنشاء والإبداع والصنع، وغير ذلك، وما أحوج الداعية الآن إلى عدم الخوض في أسماء الله وصفاته، وبخاصة أمام العامة، كما قال الإمام الغزالي بضرورة إلجام العوام عن علم الكلام، وكما قال الفخر الرازي “لقد تأملت المناهج الفلسفية والطرق الكلامية، فلم أرها تشفي عليلا، أو تنفع غليلا، ورأيت خير الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات قول الله تعالى ” فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يدرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير” هكذا سار العلماء الأفذاذ مسيرة الإمام الأعظم، وهذا ما ينبغي للدعاة اليوم حتى تأتلف القلوب، وتتجه الطاقات في اتجاهها الصحيح، تدك أعناق الملحدين.

 

وتصد الهجمة الشرسة على هذا الدين، ونستطيع بعد هذا التطواف في صفات الإمام ومواقفه وتطبيقاته العملية لما علم من شرع الله أن نقدم لدعاة الإسلام في هذا العصر نصيحة تقفهم على طريق الإصلاح المأمول فعوامل النجاح والإخفاق من سنن الله التي لا تتبدل، فقال تعالى فى سورة الفتح ” سنة الله التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا” وتتلخص النصيحة في استعراض هذه النقاط التي برزت في منهج الإمام من حيث الأسلوب والمظهر والأخلاق، وهو خير الكلام وهو ما أريد به وجه الله فإن الكلام كثير، ومحكمه يسير وطول الصمت أفضل من الثرثرة، وسلاسة اللفظ وتدفق العبارة يحتاج إلى معايشة لغة القرآن، وحسن الهيئة والوجه الصبوح .

 

وسرعة البديهة من عوامل القَبول لدى المدعوين، والحلم والصبر وعدم قابلية الاستفزاز والتواضع وعدم الغرور والعناية بالصف الثاني والثالث من الدعاة رعاية ونصحا، قيام الليل، وترتيل القرآن وتدبر معانيه، وإن من أهم ما ينبغي أن يحرص عليه الدعاة هو التعفف عن تلقي الأجر أو طلبه من المدعوين ضرورة شرعية، فإذا أمكن للداعية أن يكون له عمل يتكسب منه، كان تأثيره أكبر، والإقبال عليه أكثر اقتداء بالرسل والعلماء، مكانة الداعي لا تخضع لأصله أو غناه، ولكن لعلمه وخُلقه وجهده، الورع والزهد فيما عند الناس والحرص على البعد عن الشبهات دليل الإخلاص والقرب من الله، وعلامة على التقوى التي تخرج التقي من المآزق، وتفتح له باب الرزق الواسع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى