مقال

نفحات إيمانية ومع إعمال العقل فى فهم النص “جزء4”

نفحات إيمانية ومع إعمال العقل فى فهم النص “جزء4”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع إعمال العقل فى فهم النص، وكما صح عن علي رضي الله عنه أنه قال “لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه” فالمسألة فيها تسليم مطلق لما أراد الله ورسوله، فالطاعة هي الامتثال، حتى لو لم تفهم العقول حكمة الأوامر أو النواهي وعلتها، فالإيمان بما شرع الله والتسليم به ليس فيه كسر للعقل وتحجيم لقدرته كما يدعى بل هذا من الفطرة السوية التي فطر عليها ابن آدم، فتأمل معي كلام العلامة ابن الجوزي “وهل يشك ذو عقل في وجود صانع؟ فإن الإنسان لو مر بقاع ليس فيه بنيان، ثم عاد فرأى حائطا مبنيا.

 

علم أنه لا بد له من بانى بناه، فهذا المهاد الموضوع، وهذا السقف المرفوع، وهذه الأبنية العجيبة، والقوانين الجارية على وجه الحكمة، أما تدل على صانع؟ وما أحسن ما قال بعض العرب إن البعرة تدل على البعير، فهيكل علوي بهذه اللطافة، ومركز سفلي بهذه الكثافة، أما يدلان على اللطيف الخبير؟ ثم لو تأمل الإنسان نفسه، لكفت دليلا، ولشفت غليلا، فإن في هذا الجسد من الحكم ما لا يسع ذكره في كتاب” إذن فالعقل آمن بوجود الخالق العظيم دون أن يراه، وقد دل كل شيء في الكون عليه، فقد قال الله تعالى فى سورة الأنعام ” لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير” فالكثير من النظريات العلمية التي تم برهنتها.

 

لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وإنما يمكن الاستدلال عليها بنتائجها أو آثارها، وقد أنكرها العقل طويلا، فهل ترى العين جاذبية الأرض التي تجذب إليها كل الأجسام؟ لا، ولكن يمكن رؤية الأشياء وهي تسقط على الأرض، وهل ترى العين الروح التي تسكن في الأجسام الحية، فتوجد الفرق بين الحي والميت؟ لا، وهل ترى العين أصلا العقل الذي يفرق بين العاقل والمجذوب؟ لا، وهل تستطيع العين أن ترى القوى التي يجذب بها المغناطيس قطعة الحديد؟ والجواب حتما هو لا، فإن من أعظم نعم الله عز وجل على الإنسان العقل، ولو أسلم الإنسان قياده لعقله لدله على الحق ولقاده إلى بر الأمان، ولكن العقل في صراع دائم مع الغرائز والأهواء.

 

والغرائز الجسدية كالطعام والشراب والشهوة والكسل، وأما الأهواء كالظلم والسيطرة والرئاسة والشهرة، وتزداد شراسة هذا الصراع عندما تتحول الغرائز العادية إلى إدمان وعادات سيئة، والأهواء إلى طغيان وتجبر وأماني وأوهام وتسويف ونسيان، والحل هو تحكيم العقل، وتنظيم الغرائز، ومدافعة الأهواء، والمشكلة أن الصلاح والبناء محفوف بالمكاره والصعوبات، والفساد والهدم محفوف بالشهوات، فالصلاح بناء وتتكاتف عوامل الحت والتعرية على هدمه فيحتاج لترميم وحماية دائمة، والفساد حفرة تجمع الأوساخ والأدران وتحتاج إلى تنظيف وإفراغ بشكل دائم وإلا امتلأت وتفاقمت، وأفضل ما يفعله الإنسان لنصرة عقله أمران.

 

هما بناء عادات جديدة صالحة ومفيدة والصبر عليها ورعايتها، وأخطر ما يواجهه في هذا البناء تردده في المتابعة وقوله لنفسه دعيني أترك هذا الأمر مرة واحدة فقط، فإذا ضعف وترك الأمر مرة واحدة، انتكس وأخفق في بناء عادته الحسنة، ومكافحة عاداته السيئة وتفكيكها وخاصة ما وصل منها إلى درجة الإدمان، وأخطر ما يواجهه في هذه المكافحة تردده في الإقلاع عن العادة وقوله لنفسه دعيني أفعل هذا الأمر مرة أخيرة، فإذا ضعف وفعلها مرة أخرى، انتكس وعادت حليمة لعادتها القديمة، وما أصدق قول ابن القيم في كتاب الفوائد في وصف السلوك الإنساني هو دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى