مقال

نفحات إيمانية ومع الإنسان و العقل “جزء 5”

نفحات إيمانية ومع الإنسان و العقل “جزء 5”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإنسان والعقل، ويوم القيامة يأتي هؤلاء المتبوعون والأتباع السادة الرؤوس والأذناب يتبرأ بعضهم من بعض، ويحاول كل منهم أن يلقي الوزر على الآخر، ولكن الله تعالى يحملهم جميعا الأوزار، كل على قدر مسؤوليته، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون” فإن أكبر معركة نواجهها في عصرنا الحالي هي تزييف الوعي بفوضى التوجيه وفوضى المنصات الإعلامية وكما قلت كثيرا وأكرر إن البعض يغتر بهذه المنصات الإعلامية الكثيرة لكنها في الحقيقة فتنة كبيرة لأن كل من يريد أن يتكلم فلن يمنعه أحد من الكلام لكن الإشكال أن يتكلم من لا يعلم فيتصدى للكلام الجاهل.

 

والمبتدع وأصحاب الهوى، وإن من أساليب التربية القرآنية والنبوية السؤال والحوار، لأن السؤال والحوار يفتح العقول ويجعلها تشتغل وتعمل فلا تتجمد، وفي كلامنا الدارج نقول شغل عقلك، واستعمل عقلك، لأن هناك من وضع عقله على الرف أو في الثلاجة فتجمد، وقد سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم, وقد سجل القرآن ذلك، فقال تعالى ” يسألونك عن الأهله” وقال تعالى ” يسألونك ماذا ينفقون” وقال تعالى ” يسألونك عن الشهر الحرام” وقال تعالى ” يسألونك عن الخمر والميسر” وقال تعالى ” ويسألونك عن اليتامى” وقال تعالى ” ويسألونك عن المحيض” إلى آخر هذه الأسئلة التي جمعها بعض العلماء في كتاب.

 

ومن الحوار كما جاء فى سورة الأنعام ” سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون” فكانت الشبهة والرد عليها بموضوعية واضحة كل هذا لنتعلم كيف نفهم عقول غيرنا وكيف يفكرون وكيف نقابل الحجة بالحجة بلا جمود ولا تقليد، لهذا نريد من المسلم أن يتربى على هذا الأساس من صغره, فنربى الطفل على أن يسأل, وعلى أن يناقش, وعلى أن يحاور، وإن بعض الآباء لا يقبلون من أبنائهم أن يسألوهم سؤالا فلا يستطيع الولد الصغير أن يسأل أباه، وتعرفون أن الأطفال يكثرون الأسئلة.

 

ويحبون أن يعرفوا, فالإنسان بطبيعته عنده حب المعرفة, وحب الاستطلاع دافع فطري أصيل في الإنسان, والطفل يسأل، فلا بد أن تجيبه, بل شجعه على أن يسأل, وحاول أن تقنعه, وأن تخاطبه على قدر عقله، وكذلك الأستاذ في مدرسته, المعلم ينبغي أن يرحب بأسئلة تلاميذه, ولا يضيق بهم, بعض المعلمين لا يحب لأحد أن يسأل, ويخرس تلاميذه, ويعتبر الطالب الذي يسأل قليل الأدب, أو خارجا عن النظام، وهذه ليست بتربية, التربية أن تشجعه على أن يتحدى, على أن يفضي إليك بما في نفسه, على أن يسأل ويحاور, هذه هي التربية الصحيحة، مجرد التلقين الذي انتشر في مدارسنا التعليمية، وفي أنظمتنا التعليمية كلها أن الولد يصم الكتاب صما.

 

ويحفظ المقرر حفظا، دون أن يفهم فيه شيئا, هذه التربية إذا جاز أن نسميها تربية لا تخرج إنسانا يفكر, ولكن تخرج آلات صماء, فنحن نريد المتعلم الذي يستطيع أن يفكر، وأيضا النهي الوارد عن السؤال في قوله تعالى فى سورة المائدة ” يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم” والمقصود منها النهي عن السؤال الذي فيه تكلف أو ما لا ينبني عليه عمل، والحضارة الإسلامية لم تقم من فراغ ولم تقم مع قمع أو تضييق أو كبت أو قهر وظلم فهذه الأجواء لا تنشيء أبدا حضارة ولا إبداع، لأن من يتكلم بكلمة يفكر هل عاقبة هذه الكلمة السجن أم الإعدام أم النفي والمطاردة، فصار هناك حصارا للعقل ومواجهة لأي عقل يفكر أو لسان ينطق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى