مقال

نفحات إيمانية ومع نشأة أبو حنيفة النعمان ” جزء 4 “

نفحات إيمانية ومع نشأة أبو حنيفة النعمان ” جزء 4 ”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع نشأة أبو حنيفة النعمان، ولما فتح العثمانيون مصر حصروا القضاء في الحنفية، وأصبح المذهب الحنفي مذهب أمراء الدولة وخاصتها، إلا أنه لم ينتشر بين أهل الريف وهو الوجه البحري، والصعيد انتشاره في المدن ولم يزل كذلك إلى اليوم، ورأي أبو حنيفة رد على المعتزلة القائلين بأن كلام الله تعالى مخلوق، وأن كلامه تعالى هو ما خلقه في جسم من اللوح المحفوظ أو جبريل أو الرسل من الكلام اللفظي المرتب الحروف والمتعاقب الكلمات، والمعتزلة تنفي الكلام النفسي وفيه أيضا رد على الحشوية القائلين بأن الكلام هو اللفظي وهو قديم مع ترتيب الحروف وتعاقب الكلمات قائم بذاته تعالى.

 

وفيه أيضا رد على الكرامية الذين يقولون بأن الكلام هو اللفظي وهو حادث قائم بذاته تعالى، ولقد اختلفت المواقف بالنسبة لمرتكب الكبيرة، فمن الفرق من تخرجه من دائرة الإيمان كالخوارج، ومنهم من قالوا بأن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن وليس بكافر بل في منزلة بين المنزلتين، وهؤلاء هم المعتزلة، وفريق ثالث قالوا إنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع من الكفر طاعة، وهولاء هم المرجئة، أما أهل السنة والجماعة فقد رأوا أن صاحب الكبيرة لا يكفر وأنه مؤمن عاصي، وبالنسبة لأبي حنيفة فإنه يقول”أهل القبلة مؤمنون لست أخرجهم من الإيمان، بتضييع شيء من الفرائض، فمن أطاع الله تعالى في الفرائض كلها مع الإيمان كان من أهل الجنة عندنا.

 

ومن ترك الإيمان والعمل كان كافرا ومن أهل النار، ومن أصاب الإيمان وضيع شيئا من الفرائض كان لله تعالى فيه المشيئة إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له” ولقد ورد في الفقه الأكبر قول أبي حنيفة “لا نكفر أحدا بذنب ولا ننفي أحدا من الإيمان” فأبو حنيفة يتوقف في أمر صاحب الكبيرة ويفوض أمره لله تعالى، إن شاء عذبه بعدله بقدر ذنبه، وإن شاء عفى عنه بفضله، وإنه وفقا لما جاء في كتاب تبييض الصحيفة بمناقب أبي حنيفة، للإمام جلال الدين السيوطي قد بشر صلى الله عليه وسلم بالإمام أبي حنيفة في الحديث الذي أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان العلم بالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس”

 

وأخرج الشيرازي في الألقاب عن قيس بن سعد بن عبادة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو كان العلم مُعلقا بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس” وقال وكيع بن الجراح وهو شيخ الإمام الشافعي، كان أبو حنيفة عظيم الأمانة، وكان يؤثر رضا الله تعالى على كل شيء، ولو أخذته السيوف في الله تعالى لاحتملها، وقال الإمام الشافعي سئل مالك بن أنس هل رأيت أبا حنيفة وناظرته؟ فقال نعم، رأيت رجلا لو نظر إلى هذه السارية وهي من حجارة، فقال إنها من ذهب لقام بحجته، وقال الإمام الشافعي من أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك، ومن أراد الجدل فعليه بأبي حنيفة، ومن أراد التفسير فعليه بمقاتل بن سليمان، وقال من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة.

 

وكان أبو حنيفة ممن وُفق له الفقه، وقال الإمام أحمد بن حنبل إن أبا حنيفة من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد، ولقد ضُرب بالسياط ليتبع المنصور فلم يفعل، فرحمة الله عليه ورضوانه، كما كان الإمام أحمد كثيرا ما يذكره ويترحم عليه، ويبكي في زمن محنته، ويتسلى بضرب أبي حنيفة على القضاء، وقال أبو بكر المروزي سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول لم يصح عندنا أن أبا حنيفة رحمه الله قال القرآن مخلوق، فقلت الحمد لله يا أبا عبد الله، هو من العلم بمنزلة، فقال سبحان الله هو من العلم والورع والزهد وإيثار الدار الآخرة بمحل لا يدركه فيه أحد، ولقد ضُرب بالسياط على أن يلي القضاء لأبي جعفر فلم يفعل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى