مقال

نفحات إيمانية ومع اللبنة الأولى فى بناء المجتمع ” جزء 9″

نفحات إيمانية ومع اللبنة الأولى فى بناء المجتمع ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع اللبنة الأولى فى بناء المجتمع، فباختلال نظام الحياة الأسرية يغيب الإستقرار والمودة، ويسود العنف والقهر والطلاق، فتتفكك الأسرة ويتشرد الأطفال، وإذا ما نظرنا من المنظور الإسلامي نجد أن الإسلام قد عُنى كثيرا بإنشاء الأسرة السعيدة، فوضع القوانين والقواعد التي تضمن للزوج حقه وتضمن للزوجة سعادتها، كما تضمن للأبناء حقوقهم، وتحثُ على تربيتهم تربية سليمة، فبيّن الإسلامُ عظيم أجر الساعي إلى بناء الأسرة الصالحة، ومن الأمثلة على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له” وفي هذا الحديث معنى عظيم من معاني ديمومة الأجر والثواب.

 

 

بوجود ولد صالح ذو تربية سليمة يدعو لوالده، ومن ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته” أي كل إنسان سيُسأل يوم القيامة عن أسرته التي كان مسؤولا عن تربيتها في الحياة الدنيا، فيُجزى بحسب ما عمل، وفي كثير من المواضع في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة كان الحث على رعاية الأهل والتعليم والأخلاق عنصرا مهما في تحصيل الأجر والثواب العظيم ورضوان الله تعالى، كما يشير النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى معنى عظيم في العقيدة الإسلامية حين يقول “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” ففي هذا الحديث معنى أهمية تربية الأبوين في غرس العقيدة عند الطفل.

 

فإذا لم تكن العقيدة سليمة فلا يمكن أن يكبر الطفل على العقيدة الصحيحة، وإن من عوامل نجاح الأسرة هو استثمار الوقت والبعد عن الفراغ، فالفراغ أصل كل مفسدة، وعندما تكون الأسرة متعاونةً فيما بينها لتحقيق هدف من الأهداف تتضافر الجهود في سبيل تحقيق ذلك الهدف، أما حين يكون الوقت ضائعا بلا هدف مشترك يسهم الفراغ في إظهار المشكلات والسلبيات، وتضيع الأسرة فرصة أفرادها في تطوير مهاراتهم واستثمارها في تحسين الوضع الاقتصادي والعلمي والاجتماعي على الصعيد الأسري الخاص والاجتماعي العام، ومن جهة أخرى لا بد من اعتماد المنهج الإسلامي القويم أيضا في تنظيم العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، فلا يظلم أخ أخاه ولا أخته.

 

ولا يتعدى على حقوقه، بل يعامله بالإحسان والإكرام والمودة، ويحميه ويدافع عنه إذا تعرض لمكروه، ويعامله معاملة حسنة ارتكازا على العقيدة السليمة التي يؤمن بها، وهي أن الحياة الدنيا ليس لها دوام، وما هي إلا مرحلة عابرة لدار البقاء وهي الدار الآخرة، ولا تنفع الشحناء والبغضاء إلا في حرمان الإنسان من المنازل العالية في الآخرة، وإذا ما نظرنا إلى المجتمع نفسه وجهوده في عمارة مكوناته سنجد أنه لا بد من تعاون جميع المؤسسات التي تعنى بالصلاح الأسري والاجتماعي، وتكريس جهودها للتعاون مع أبناء المجتمع المسؤولين عن الأسر الصغيرة وإعانتهم في تنشئة الجيل الجديد الذي يحتاج جميع المقومات النقية والجيدة ليستطيع استثمار طاقاته فيما بعد بالوجه الأمثل.

 

ويكون معطاء نافعا في المستقبل، وتتضح أهمية الأسرة في الشريعة الإسلامية من خلال اهتمامها بوضع الضمانات التي تمكن الأسرة من أن تكون الأساس الصالح والتربة الطيبة التي تمنح المجتمع الإسلامي كل مقوماته، فالأسرة الصالحة كالتربة الصالحة إن صلحت صلح نباتها، وإن فسدت فسد نباتها، كما أن في الأسرة إشباعا للنزوع الوجداني إلى الأمن والسكن، والإنسان بحكم تطوره الفكري والحضاري، وتعدد أهدافه، وتعقد وسائله، فلم يعد يعيش للذته الحيوانية فحسب، وأنه في كفاحه الدائب لبلوغ غايته وسعيه في أداء رسالته، يتطلب الأمن والاستقرار، ويحتاج إلى القلب الحنون الذي يبادله الأنس والسعادة، ويهيئ له وسائل الراحة والسكينة، وإن الإسلام رعى الأسرة واهتم بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى