مقال

الدكرورى يكتب عن عبد الله بن عبد الله بن سلول ” جزء 4″

الدكرورى يكتب عن عبد الله بن عبد الله بن سلول ” جزء 4″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع عبد الله بن عبد الله بن سلول، فأنزل الله عز وجل في عصر ذاك اليوم قوله سبحانه وتعالى “يقولون لئن رجعنا إلى المدينه ليخرجن الأعز منها الأزل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون” من سورة المنافقون، فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم فدعا زيد بن أرقم على مرأى ومسمع من الأنصار، فقرأها عليهم، ثم قال ” إن الله قد صدقَك يا زيد” ثم سرى الخبر إلى عبد الله بن عبد الله بن أبي، الذي قال أبوه هذه المقالة، وظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يقتله، فقال يا رسول الله، إن أبي قال ما سمعت، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى ما أنزل عليك، وأنا سمعت أنك تريد قتله، وأنا لا أرضى أن أرى قاتل أبي يمشي على الأرض، فإن كنت تريد قتل أبي أتيتك، الآن برأسه ووضعته بين يديك.

 

لأنه رضي الله عنه مؤمن وأبوه منافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” بل نترحم على أبيك حتى يلقى الله” وعندما رجع عبد الله بن أبي المدينة وصل إلى أسوارها، فقام عبد الله بن عبد الله بن أبي فسلّ سيفه ووقف على مدخل المدينة، فلما دخل الناس واجتازوا وقف، فلما رأى أباه قال” والله لا تدخل حتى يأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدخول، قال ولم؟ قال لأنك الأذل ورسول صلى الله عليه وسلم الأعز، فإن أذن لك وإلا أخرجناك من المدينة، قال تفعل بي وأنت ابني؟ قال كما سمعت، فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا يا رسول الله، ائذن فى عبد الله بن أبي أن يدخل المدينة، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ائذنوا له، فأذنوا له فدخل.

 

وهذا من الصحابة رضي الله عنه وأرضاه وهذا من كمال التوحيد وكمال الموالاة، وقد جعل الله سبحانه وتعالى عقيدة الولاء والبراء جزءا من عقيدة أهل السنة والجماعة يلقون بها الله سبحانه وتعالى، وفي شهر شوال من السنة التاسعة للهجرة، وبعد آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وارى التراب جثمان رجل كان من أشد الناس خصومة للإسلام وأهله، وشخصية كانت مصدر قلق ومنبع شر للمجتمع الإسلامي بأسره، ذلك هو زعيم النفاق ورافع لوائه عبدالله بن أبي بن سلول، وهذه الشخصية هي صاحبة الامتياز في إخراج ظاهرة النفاق إلى الوجود، فلم يكن الناس قبل ذلك إلا مؤمنا صادق الإيمان، أو كافرا مجاهرا بجحوده، فأضاف ابن سلول طريقا ثالثا وهو أخطر من صريح الشرك.

 

وهو الكفر الخفي، ليعمل على هدم الإسلام من داخله، ويقضي على تلاحم أبنائه، وتماسك أفراده، وجذور النفاق عميقة في نفس ابن سلول، وكانت البداية قبل هجرة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان بعد انتصار المسلمين على يهود بني قينقاع سارع ابن سلول في الشفاعة لحلفائه كيلا يقتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إليه وقال ” يا محمد، أحسن في مواليّ ” وكرر ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، وأمسكه من ثيابه حتى ظهر الغضب في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علل إصراره على هذا الموقف بقوله ” قد منعوني من الأحمر والأسود، إني امرؤ أخشى الدوائر ” فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” هم لك ” وهذا ما رواه ابن إسحاق في سيرته.

 

وفي غزوة بني النضير قام عبدالله بن أبي بن سلول بتحريض حلفائه من اليهود على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدم الاستسلام له، ووعدهم بالنصرة والمساعدة، فأعلنوا الحرب، وانتهى بهم الأمر إلى الجلاء من المدينة، وفى يوم تبوك كان ابن سلول العقل المدبر لفكرة بناء مسجد الضرار، وهو مسجد أسّسه المنافقون ليكون مقرهم السري الذي تصدر منه الفتن وتصنع فيه الأراجيف لإثارة البلبة بين المسلمين، وعلى الرغم من المحاولات العديدة التي حاول فيها ابن سلول كتمان غيظه، وبغضه لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين، إلا أن فلتات لسانه كانت تشير إلى حقيقة مشاعره الدنيئة ، كقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ” إليك عني، والله لقد آذاني نتن حمارك ”

 

وهذا فى الصحيحين، وقوله لمن حوله ” لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ” وقوله تعريضا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ” لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ ” وكل ذلك مذكور في الصحيحين، وقد يتساءل البعض عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم، من ابن سلول، كيف تحمّله طيلة هذه السنوات ولم يأمر بقتله ؟ والجواب أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، خشي أن يُشاع بين القبائل أن محمدا يقتل أصحابه ، حيث إن العرب في أنحاء الجزيرة لم يكونوا يدركون تفاصيل المؤامرات التي تحدث في المدينة، ولن يتمكنوا من استيعاب مبررات العقوبات التي سيتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حق ذلك المنافق، والصورة التي ستصلهم حتما صورة مشوّهة.

 

حاصلها أن سيدا من سادات المدينة ووجهائها اعتنق الإسلام، ثم جاء الأمر بقتله، ولا شك أن هذه الصورة المنقوصة ستشكل حائلا بينهم وبين اعتناق هذا الدين، وسبب آخر وهو لا يقل أهمية عن الأول وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان حريصا على وحدة الصف الداخلي ، خصوصا في المراحل الأولى من قدومه إلى المدينة، في وقت كانت بذرة الإسلام في نفوس الأنصار لا تزال غضة طرية ، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم، أسلوب المداراة والصبر على أذى ابن سلول لتظهر حقيقة الرجل من خلال تصرفاته ومواقفه، وقد أثمر هذا الأسلوب بالفعل، حيث وجد ابن سلول العتاب والبغض في كل موقف من مواقفه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى