مقال

نفحات إيمانية ومع العالم والصراع على الهوية ” جزء 6″

نفحات إيمانية ومع العالم والصراع على الهوية ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــروى

 

ونكمل الجزء السادس مع العالم والصراع على الهوية، ولعل هذا الأمر هو الذي جعل الحكومات الواعيةَ الجادة في إيجاد نهضة حقيقية تبدأ أولا بإعطاء المعلم مكانته في المجتمع، ونحن في هذا الصدد نتذكر على الفور اليابان تلك الدولة التي ضربت بالقنبلة الذرية، وبالرغم من ذلك تصبح في مدة عقدين من الزمان من أكثر دول العالم تقدما، وما ذلك إلا لأنها اهتمت بالمعلم، ومما لا شك فيه أن هذا الوضع المزري للمعلم أدبيا وماديا أدى بالطبع إلى غياب الاحترام والتقدير اللذين كان يحظى بهما في الماضي، ومما ساعد على انتشار هذه الظاهرة وهى عدم احترام المعلم ما حاولت المؤسسات التعليمية تقريره وهو منع التأديب المتمثل في الضرب غير المبرح.

 

بل وأصبح تأنيب الطالب وزجره وتقويمه جريمة نكراء، فكان لا بد أن تبدأ ظاهرة التطاول على المعلم، بل وصل الأمر إلى الاعتداء عليه داخل المدرسة أو خارجها، بل ربما يقف المعلم أمام القضاء كسائر المجرمين لأن طالبا قد اشتكاه، ومما لا شك فيه أن هذا الوضع يصرف المعلم عن الاهتمام بأداء واجبه، ومن ثم تتقوض أسس التربية، وقواعد الأخلاق، وينقطع سيل التراكم المعرفي، فتتخلف الأمة عن ركب الحضارة، وأيضا إبعاد المدرسين الملتزمين دينيا، وتحويلهم إلى إداريين، وتعتبر هذه الخطة من أخبث ما دبّره أعداؤنا، ونفذه عملاؤهم في بلاد المسلمين إذ الثابت أن المعلم المتدين انطلاقا من إدراكه لواجبه ومسؤوليته أمام الله.

 

فإنه يجتهد في توصيل مادته العلمية لأولاد المسلمين، ثم انطلاقا من غيرته الدينية، فإنه يسعى جاهدا في غرس مبادئ الإسلام في نفوس التلاميذ، وتعريفهم بعظمة الإسلام، ولفت أنظارهم إلى المؤامرة على عالمنا الإسلامي، وكل ذلك يخشاه أعداؤنا، ويخافون من خروج أجيال مسلمة تعي ذلك، ومن هنا فقد حرصوا على إبعاد كل المدرسين الذين يتأتى منهم إفساد خطتهم، وفي الزمن العولمي زمن الثورة المعلوماتية، أبرز وأخطر صراع يعيشه المسلم اليوم هو صراع الهوية، فالمسلم يعيش صراعا مع ذاته للتعرف على هويته في زمن تداخل الهويات، وصراعا مع المخالف له في العقيدة والفكر والانتماء ليتميز عنه، والحديث عن الهوية ليس أمرا هامشيا.

 

أو هو من باب الجدل الفكري الصرف الذي لا ثمرة له بل هي قضية أساسية، فنحن نرى الآن الصراعات صراعات هوية صراع محو الهويات والثقافات للأمم والشعوب ومسخها لذا من المهم أن نجيب على هذا السؤال بدقة ما هويتنا؟ قد يبدو هذا السؤال أنه سؤال سطحي، ولكن حقيقة هو سؤال جوهري لأن الجواب عليه في ظل تداخل الثقافات بين الأمم يجعله سؤالا معقدا فهو سؤال يلامس منظومات القيم والمبادئ المكونة للوجود الحضاري لهذه الأمة، فإن الاحتكاك بالحضارات الأخرى، وخصوصا إذا كانت هذه الحضارة متفوقة ماديا وإعلاميا يُظهر أزمة هوية حيث يكون هناك رغبة في الاندماج في هذه الحضارة القائمة المسيطرة.

 

مع رغبة في الحفاظ على الهوية لذا تبرز أسئلة عدة لدى العقل المسلم وهى مَن نحن؟ ولماذا نحن متأخرون حضاريا؟ ما سبب تأخرنا؟ فتكثر الأسئلة حول الأنا، وحول الآخر، كي يبحث عن ذاته، محاولا اكتشاف الذات، واللحاق بالآخرين، وتقليص الفارق المادي، وأما بالنسبة للخبراء الذين قدموا من الغرب كي يطوروا الدولة العثمانية جاؤوا بامتيازات تثبت أقدامهم بحيث لم تستطع الدولة أن تتخلص منهم يقول باول شمتز “إن العقل الأوروبي الذي استعانت به بعض الدول ليساعدها على تنفيذ البرامج الإصلاحية كي تستطيع الدفاع عن نفسها، وتتمكن من الوقوف ضد الهجوم عليها لا يستطيع أحد التخلص منه أبدا، لقد أعطي من الامتيازات، ونال من الفرص ما يُمكنه من تثبيت أقدامه فوق هذه الأرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى