مقال

نفحات إيمانية ومع العالم والصراع على الهوية ” جزء 3″

نفحات إيمانية ومع العالم والصراع على الهوية ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروى

 

ونكمل الجزء الثالث مع العالم والصراع على الهوية، فلا تجد وثيقة من الوثائق الخاصة بالمواطنين في الإدارات العمومية والمستشفيات والمؤسسات المدرسية إلا وسُودت بلغتهم، وكأنها هي اللغة الرسمية للبلاد، فأزيحت بذلك اللغة العربية، وجُعلت في نطاق ضيق، وكأنها دخيلة على بلادنا، وليس مسؤولونا فقط من ساهم في إزاحة اللغة العربية من عرشها، بل ساهمت الأمة بأغلبها في ذلك، ولك أن تلقي نظرة على المواقع الاجتماعية لترى كيف أقصيت اللغة العربية، فجُمل الترحيب أو الشكر أو التهنئة أو غيرها، أصبحت بلغة لاتينية، وكأن لغتنا ليس فيها ما يُغني عن ذلك، وليس في مواقع التواصل الاجتماعية فقط، بل حتى في حياة الناس العادية.

 

تجدهم بين الفينة والأخرى يدخلون كلمات أجنبية في أحاديثهم وحواراتهم لتدرك بذلك مدى تأثر الأمة بثقافة غربية، تكاد تجعلنا ننسلخ عن هويتنا الأصلية، ومن جانب آخر لعبوا على مصطلحات اللغة، وأفرغوها من معانيها الحقيقية، فسموا الفن الهابط رسالة، والخمر مشروبات روحية، والربا عائدا استثماريا، والعري موضة وفن، وقلة الأدب والانحلال تفتح، ونشوز المرأة عن طاعة زوجها حرية شخصية، وسعوا إلى تقبيح معالم الهوية، فاستبدلوا باسم الأخوة الإسلامية الفتنة الطائفية، وبالحشمة والعفاف التزمت والتخلف، وبالغيرة العقد النفسية، وبالحجاب الكفن، حتى يضعفوا تمسك الناس بها، ويظهروا أن المتمسك بها هو الإنسان المنبوذ الذي خالف المجتمع الذي يعيش فيه.

 

وخالف ثقافته وهويته، وإن الواقع الغربي وما فيه من خواء روحي زاد من نسب الانتحار من توفر المتع واللذائذ والشهوات، وهذا خير دليل على مدى احتياج البشرية إلى هذا الدين وهو دين الفطر التي فطر الله تعالى الناس عليها وهو الذي يشبع في النفس البشرية كل متطلباتها، ويأخذها من كل جوانبها، فلا يأخذ جانبا ويدع الآخر، بل يأخذ الإنسان في تناسق وانسجام من جميع جوانبه، بل ويضاف إلى كونها شاملة للإنسان من كل جوانبه، فهي كذلك شاملة للبشر جميعا، لا تقر فرقا بين إنسان وآخر بناء على لونه أو جنسه إذ القاعدة هى قول الحق “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” وأيضا هو أنه “لا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح”

 

وأيضا هو أن “الناس سواسية كأسنان المشط” وهذه المعاني وإن كانت البشرية تحلم بنزولها إلى أرض الواقع في عالمنا المعاصر، فقد نزلت في ظل الإسلام إلى هذا الواقع المعاش في فترات طويلة من التاريخ الإسلامي، ويقول نيكسون رئيس الولايات المتحدة سابقا إننا لا نخشى الضربة النووية، ولكن نخشى الإسلام والحرب العقائدية التي قد تقضي على الهوية الذاتية للغرب، وقال أيضا إن العالم الإسلامي يشكل واحدا من أكبر التحديات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية الخارجية في القرن الحادي والعشرين، وإن خطر القوة الكامنة في العقيدة على الاستعمار ينبع أولا من أن الإسلام قوة تحريرية هائلة، وروحه تأبى كل اعتداء على الحرية.

 

وتقاوم هذا الاعتداء بصلابة، تقاومه مقاومة إيجابية تهون في سبيلها الأرواح، ويهون فيها البذل والتضحية، فإذا ما استيقظت روح الإسلام في أمة، فمن المحال أن تتخلى عن حريتها، ومن المحال أن تسكت عن الصراع الإيجابي الذي يحطم قواعد الاستعمار تحطيما، كذلك ينبع الخطر على الاستعمار في العقيدة الإسلامية من أنها عقيدة استعلاء واعتزاز وكبرياء فالمسلم حين تستيقظ فيه روح الإسلام، لا يطيق أن يعلو عليه أحد، ولا يطيق أن يذل لأحد، ومن ثم ينظر إلى الاستعمار الأجنبي نظرته إلى المنكر الذي تتحتم إزالته، ويتحتم كفاحه تحقيقا لعزة الإسلام، وصيانة لكرامة المسلمين، وابتغاء لمرضاة الله، وثمة منبع ثالث للخطر على الاستعمار من العقيدة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى