مقال

نفحات إيمانية ومع الإحتفالات بعيد رأس السنة ” جزء 5″

نفحات إيمانية ومع الإحتفالات بعيد رأس السنة ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع الإحتفالات بعيد رأس السنة، وكيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته ؟ فإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا كمثل المسافر، حيث يقول ابن القيم رحمه الله، الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين, وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو في النار، والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذة وراحة, إنما ذلك بعد انتهاء السفر، وفي توديع عام واستقبال آخر، يجدر بالنفس أن تقف وقفة محاسبة، وقفة صدق وتفكر، واعتبار ومُساءلة، فمن حاسب نفسه في دنياه خف عليه حسابه في أخراه، ومن أهمل المحاسبة دامت عليه الحسرة، وساءه المنقلب والمصير، وخير مذكر.

 

وأعظم واعظ، هو ذكر هادم اللذات، ومفرق الأحبة والجماعات، وهو الموت، وجدير بمن الموت مصرعه، والقبر مضجعه، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، جدير به ألا يكون له تفكير إلا في المصير، والنظر إلا في العاقبة فالقبر مقر، وبطن الأرض مستقر، وإن تقارب الوقت والزمن وسرعة مروره دون فائدة علامة على قرب الساعة، فقد أخرج الترمذي عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة وتكون الجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كالضرمة بالنار” وفي رواية ” وتكون الساعة كاحتراق السعفة الخوصة ”

 

أي ورق الجريد اليابس، فهذه العلامة من علامات الساعة هى من أوضح العلامات وأظهرها اليوم، إذ أننا نشهد وقوعها اليوم ونراها واضحة جلية، فالوقت يمر على الناس بصورة سريعة تدعو للدهشة والتأمل، فلا بركة في الوقت، حتى يخيل إلى الواحد أن السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، وقد صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فى وصفه هذا، وقال ابن حجر، قد وجد ذلك في زماننا هذا , فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا، ونحن اليوم نشهد بوضوح هذه المعاني لتقارب الزمان فلا يوجد بركة في الوقت وأصبح الناس يتحدثون عن السنوات وكأنها أشهر فما بالك بالأيام والأسابيع.

 

وإن هناك وقفة جميلة تفكرت فيها بين ولادة الإنسان ووفاته، فالمولود حين ولادته يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في اليسرى، ومعلوم أن كل أذان وإقامة يعقبهما صلاة، فأين الصلاة؟ وأقول بأن صلاة الجنازة ليس لها أذان ولا إقامة، لأنه قد أذن وأقيم لها عند ولادتك، والفترة التي بين الأذان والإقامة والصلاة كفترة عمرك، واعلم أن انصرام عام يعني انصرام بعضك كما قال الحسن البصري، يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك، وقال يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمك، وكذلك ليلتك، وقال أيضا الدنيا ثلاثة أيام، أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غدا فلعلك لا تدركه.

 

وأما اليوم فلك فاعمل فيه، فكل يوم يمر عليكم تزدادون بعدا من الدنيا وقربا من الآخرة فاعملوا وتزودوا لها، فقد قال الإمام علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل، لذلك كانوا لا يندمون إلا على فوات الوقت الذي لم يرفعهم درجة، فقال ابن مسعود رضى الله عنه، ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي، فهيا قبل أن تندم ولا ينفع الندم، فقد وقف الحسن البصري على جنازة رجل فقال لصاحب له يعظه، ترى هذا الميت لو رجع إلى الدنيا ماذا يصنع؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى