مقال

نفحات إيمانية ومع نبى الله ذو الكفل علية السلام ” جزء 6″

نفحات إيمانية ومع نبى الله ذو الكفل علية السلام ” جزء 6″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السادس مع نبى الله ذو الكفل علية السلام، فبلغهم بشر رسالة الله فسمي ذا الكفل، ثم إنهم توالدوا وكثروا ونموا حتى ضاقت بهم بلادهم، وتنغصت عليهم معيشتهم، وتأذوا بكثرتهم، فسألوا بشرا أن يدعو الله تعالى أن يردهم إلى آجالهم، فأوحى الله تعالى إلى بشر أما علم قومك إن اختياري لهم خير من اختيارهم لأنفسهم؟ ثم ردهم إلى أعمارهم فماتوا بآجالهم، قال فلذلِك كثرت الروم حتى يقال إن الدنيا خمسة أسداسها الروم، وسموا روما لأنهم نسبوا إلى جدهم روم بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، قال وهب وكان بشر بن أيوب مقيما بالشام عمره حتى مات، وكان عمره خمسا وتسعين سنة، ولكن قيل أن نهاية الخبر لا يلائم ما تقدم.

 

مما أعطاهم الله من طول العمر حتى ضاقت عليهم الأرض من كثرة الأولاد، وقال السيد بن طاوس في سعد السعود، قيل إنه تكفل لله تعالى عز وجل أن لا يغضبه قومه فسمي ذا الكفل، وقيل تكفل لنبي من الأنبياء أن لا يغضب فاجتهد إبليس أن يغضبه بكل طريق فلم يقدر فسمي ذا الكفل لوفائه لنبي زمانه أنه لا يغضب، وروى المفسرون عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال “إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل، آتاه الله الملك والنبوة، ثم أوحى الله إليه أني أريد قبض روحك، فاعرض ملكك على بني إسرائيل، فمن تكفل لك أنه يصلي بالليل حتى يصبح، ويصوم بالنهار فلا يفطر، ويقضي بين الناس فلا يغضب، فادفع ملكك إليه، فقام ذلك النبي في بني إسرائيل وأخبرهم بذلك.

 

فقام شاب، وقال أنا أتكفل لك بهذا فقال في القوم من هو أكبر منك فاقعد، ثم صاح الثانية والثالثة، فقام الرجل، وقال أتكفل لك بهذه الثلاث، فدفع إليه ملكه، ووفى بما ضمن فحسده إبليس، فأتاه وقت القيلولة، فقال إن لي غريما قد مطلني حقي، وقد دعوته إليك فأبى، فأرسل معي من يأتيك به، فأرسل معه، وقعد حتى فاتته القيلولة، ودعا إلى صلاته، وصلى ليله إلى الصباح، ثم أتاه من الغد عند القيلولة، فقال إن الرجل الذي استأذنتك له في موضع كذا، فلا تبرح حتى آتيك به، فذهب وبقي منتظرا حتى فاتته القيلولة، ثم أتاه، فقال له هرب مني، فمضى ذو الكفل إلى صلاته، فصلى ليلته حتى أصبح، فأتاه إبليس وعرفه نفسه، وقال له حسدتك على عصمة الله إياك.

 

فأردت أن أخرجك حتى لا تفي بما تكفلت به، فشكره الله تعالى على ذلك ونبأه، فسمي ذا الكفل” وروي نحو هذا الخبر عن مجاهد، وقد روى خبر ابن عباس رضي الله عنهما ابن كثير، ولم يعقب عليه، وهو ما يدل على قبوله له، وروى القرطبي عن كعب خبرا آخر، ليس ببعيد عما جاء في خبر ابن عباس رضى الله عنهما، فإن هذا الدين في جوهره مكارم أخلاق، لقول النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت معلما ” رواه ابن ماجه، وقال صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” وإن من أهم المهمات في حياة كل مسلم هو أن يهتم بإصلاح قلبه، والعناية بنفسه حتى يقدم على ربه عز وجل، بقلب سليم وعمل صالح رشيد، لاسيما ونحن نعيش زمانا قد كثرت فيه الفتن، وتعددت فيه الشبهات والشهوات، لأن القلب هو محرك الجوارح وموجهها،

 

وهو أكثر الجوارح تأثرا، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “تعرض الفتن على القلب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تعود القلوب إلى قلبين، قلب أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض” رواه مسلم، وأن مدار التقوى على إصلاح القلوب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب” فمتى صلح القلب بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وصحح ذلك بالمعرفة، وحسن الاعتقاد، ثم توجه القلب إلى ربه بالإنابة والقصد وحسن الانقياد فإن الجوارح كلها تستقيم، على طريق الهدى والرشاد، فصلاح الجوارح ملازم لصلاح القلوب، وإن الفلاح والنجاح والفوز والتفوق، والنجاة في تزكية النفس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى