مقال

مرضعة الرسول حليمة السعدية ” جزء 2″

مرضعة الرسول حليمة السعدية ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع مرضعة الرسول حليمة السعدية، فلم نزل بها حتى أذنت، فرجعنا به، فأقمنا أشهرا ثلاثة أو أربعة، فبينما هو يلعب خلف البيوت هو وأخوه في بهم لنا إذ أتى أخوه يشتد، فقال لي ولأبيه إن أخي القرشي، أتاه رجلان عليهما ثياب بيض، فأخذاه واضجعاه، فشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه يشتد، فوجدناه قائما، قد انتقع لونه فلما رآنا أجهش إلينا، وبكى، قالت فالتزمته أنا وأبوه، فضممناه إلينا ما لك بأبي وأمي ؟ فقال ” أتاني رجلان وأضجعاني، فشقا بطني، ووضعا به شيئا، ثم رداه كما هو ” فقال أبوه والله ما أرى ابني إلا وقد أصيب، الحقي بأهله، فرديه إليهم قبل أن يظهر له ما نتخوف منه، قالت فاحتملناه فقدمنا به على أمه، فلما رأتنا أنكرت شأننا، وقالت ما رجعكما به قبل أن أسألكماه.

 

وقد كنتما حريصين على حبسه؟ فقلنا لا شيء إلا أن قضى الله الرضاعة وسرنا ما نرى، وقلنا نؤويه كما تحبون أحب إلينا، قال فقالت إن لكما شأنا فأخبراني ما هو، فلم تدعنا حتى أخبرناها فقالت كلا والله، لا يصنع الله ذلك به، إن لابني شأنا، أفلا أخبركما خبره، إني حملت به، فوالله ما حملت حملا قط، كان أخف علي منه، ولا أيسر منه، ثم أريت حين حملته خرج مني نور أضاء منه أعناق الإبل ببصرى أو قالت قصور بصرى، ثم وضعته حين وضعته فوالله ما وقع كما يقع الصبيان، لقد وقع معتمدا بيديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء فدعاه عنكما فقبضته، وانطلقنا

وظهرت بركة النبي صلى الله عليه وسلم، على السيدة حليمة.

 

فقد ظهرت هذه البركة على حليمة السعدية في كل شيء، ظهرت في إدرار ثدييها وغزارة حليبها، وقد كان لا يكفي ولدها، وظهرت بركته في سكون الطفل ولدها، وقد كان كثير البكاء مزعجًا لأمه يؤرقها ويمنعها من النوم، فإذا هو شبعان ساكن جعل أمه تنام وتستريح، وظهرت بركته في شياههم العجفاوات التي لا تدر شيئًا، وإذا بها تفيض من اللبن الكثير الذي لم يُعهد وكانت هذه البركات من أبرز مظاهر إكرام الله له، وأكرم بسببه بيت حليمة السعدية التي تشرفت بإرضاعه، وليس من ذلك غرابة ولا عجب، فخلف ذلك حكمة أن يُحب أهل هذا البيت هذا الطفل ويحنوا عليه ويحسنوا في معاملته ورعايته وحضانته، وهكذا كان فقد كانوا أحرص عليه وأرحم به من أولادهم.

 

واختار الله لحليمة هذا الطفل اليتيم وأخذته على مضض، لأنها لم تجد غيره، فكان الخير كل الخير فيما اختاره الله، وبانت نتائج هذا الاختيار مع بداية أخذه وهذا درس لكل مسلم بأن يطمئن قلبه إلى قدر الله واختياره والرضا به، ولا يندم على ما مضى وما لم يقدره الله عز وجل وعن أبي الطفيل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بالجعرانة يقسم لحما فأقبلت امرأة بدوية، فلما دنت من النبي صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه فجلست عليه فقلت من هذه؟ قالوا هذه أمه التي أرضعته وقد رأت حليمة السعدية من النبي صلى الله عليه وسلم، الخير والبركة وأسعدها الله بالإسلام هي وزوجها وبنيها، وقد عمّرت رضي الله عنها دهرا ولم يعرف تحديدا سنة وفاتها

 

وهكذا فإن من أعظم نعم الله عز وجل علينا وعلى البشرية كلها بعثة نبينا ورسولنا وحبيبنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه فى كتابه الكريم كما جاء فى سورة الأنبياء ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وقال أيضا سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة التوبة ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم” وقال ابن كثير في تفسيره، وقوله تعالى ” عزيز عليه ما عنتم” أى يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها ” حريص عليكم” أى على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم” وقال السعدي ” حريص عليكم ” فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى