مقال

الدكرورى يكتب عن فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ” جزء 1″

الدكرورى يكتب عن فاطمة بنت عبد الملك بن مروان ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

السيده فاطمة بنت عبد الملك، وهى المرأه الصابره التى عندما تولي زوجها الخلافة، فى عهد الدوله الأمويه، فقد استوقفها قليلا، وخيرها بين البقاء معه مع تحمل تبعات الخلافة، أو الطلاق، فاختارت أن تكون معه على كل حال، وهى المرأه الصالحه التى قد أودعت ما تملكه من ذهب أو حلى ببيت المال، وكان يدخل عليها زوجها، فيسألها أن تقرضه من مالها، وذات مرة استقرضها درهما ليشتري عنبا لها، فلم يجد عندها شيئا، فقالت له أنت أمير المؤمنين، وليس في خزانتك ما تشترى به عنبا فقال هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكال غدا في نار جهنم، فمن هى فاطمه؟ ومن هذه المرأه الصالحه، إنها فاطمة بنت عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموية.

 

وقد كان أبوها هو أحد أمراء بني أمية، وأمها أم المغيرة بنت خالد بن العاص المخزومية، وقد تزوجها عمر بن عبد العزيز الخليفة الزاهد، وهي أم بعض بنيه، وقد كانت عونا له على حياة الورع والزهد، وصبرت معه على تقشفه وزهده، وروت عنه كثيرا من العلم، وقد رد حليها لبيت مال المسلمين، ولما توفي عرض عليها أخوها يزيد بن عبد الملك أن يرده إليها أو يرد لها ثمنه فأبت رحمها الله تعالى، وقالت إنها أعطته لله فلن ترجع إليه، وهي التي يقول فيها الشاعر بنت الخليفة والخليفة جدها، أخت الخلائف والخليفة زوجها، فقد كان أبوها وجدها خليفتين من خلفاء بنى أمية، وقد ولي الخلافة زوجها عمر بن عبد العزيز، ووليها أربعة من إخوتها وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام.

 

وقد ذكر الزبير بن بكار والسيوطي أنه لم يحصل هذا لغيرها من النساء، وقيل انها قد تزوجت بعد عمر بن عبد العزيز أحد أبناء عمومتها وكان اسمه داود بن بشر كما في تاريخ دمشق، وقد توفيت في خلافة هشام بن عبد الملك، وقد أنجبت لعمر بن عبد العزيز، أولاده إسحاق ويعقوب وموسى، ثم لما توفاه الله، يقال أنه خلف عليها دادود بن بشر، أو قيل سليمان الأعور بن داود بن مروان وأنجبت له هشام وعبد الملك، وقد ذكر جلال الدين السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء قال فرات بن السائب قال عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة لامرأته فاطمة، وكان عندها جوهر أمر لها به أبوها لم ير مثله، وقال لها اختاري إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك.

 

فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه، فأمر به فحمل حتى وضع في بيت مال المسلمين، فلما مات عمر واستخلف يزيد قال لفاطمة إن شئت رددته إليك، قالت لا والله، لا أطيب به نفسا في حياته وأرجع فيه بعد موته، فكانت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، امرأة عريقة النسب عالية الخلق عظيمة في عقلها، لذلك تهافت نحوها الأمراء الأمويون راغبين في الزواج منها، لكن والدها عبد الملك تاقت نفسه لأفضلهم عقلا وأكثرهم عزا وأنبلهم خلقا وهو ابن أخيه عمر بن عبد العزيز، وقد زوجها والدها خليفة المسلمين لابن أخيه، حيث رأى فيه كل ما يجعله يسعى لتزويجه بها فقال له قد زوجك أمير المؤمنين ببنته فاطمة.

 

فرد عليه عمر، وصلك الله يا أمير المؤمنين فقد أجزيت وكفيت، ولقد عاشت فاطمة مثل الشجرة الباسقة طيبة الريح، عظيمة الأثر في رغد وحب وعطاء مع زوجها تجمع السكينة والألفة بين نفسيهما ليكون زواجهما نموذجا مثاليا جميلا في التضحية، وقدر الله لفاطمة بنت عبد الملك أن يجتمع لها ما لم يجتمع لنساء الأرض من العظمة والسؤدد والجاه والزواج السعيد، كما أنها كانت حفيدة لخليفة وابنة خليفة وأختا لأربعة خلفاء، وحين توفي أخوها سليمان بن عبد الملك ترك الخلافة لزوجها عمر بن عبد العزيز، فأصبحت زوجة لخليفة، فقد توجت لها أقدار السماء نعيما لم يسبق لامرأة، وعندما آلت الخلافة الى زوجها عمر بن عبد العزيز لم يكن راغبا فيها ولا آبها لتيجانها أو زخرفها.

 

بل استقبلها بوجل واعتبرها هماً كبيرا وقع على عاتقه، فحينما سمع بهذا النبأ ذهب للجامع الأموي معتليا المنبر يخاطب الناس بصوت متحشرج ويتوسل اليهم أن يعفوه من الخلافة، ولكن ازداد الناس تمسكا به كخليفة لما رأوا فيه من رجاحة عقله وسمو اخلاقه وحلو صفاته، وعندما وصل بيته وقد حمل هما وحزنا مما يقع على أكتافه من أعباء ومصاعب الخلافة، في ذلك الوقت كانت فاطمة زوجته سعيدة بما حباهما الله به، فخرجت اليه مبتهجة سارة، لتفاجأ به مهموما يذرف الدموع ولا يقوى لسانه على وصف الحال فتهدئ من نفسه وتسأله عما اصابه وهو اليوم خليفة للمسلمين الآمر المطاع، فيجيبها بصوت يملؤه البكاء يا فاطمة لقد أصبت كربا ففكرت بالفقير الجائع والمسكين الضعيف والمظلوم المقهور، فعلمت أن الله عز وجل سائلي عنهم يوم القيامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى