مقال

السيدة عائشة بنت أبى بكر ” جزء 5″

السيدة عائشة بنت أبى بكر ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع السيدة عائشة بنت أبى بكر، وقد أحب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة حبا عظيما ما أحب واحدة من نسائه كما أحبها إلا أن تكون خديجة رضي الله عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن عن حبه لها ولا يسره ويظهره ولا يكتمه حتى شاع أمره بين ضراتها وبين أهل المدينة رجالها ونسائها فهذا عمرو بن العاص يسأل النبي صلى الله عليه وسلم فيقول من أحب الناس إليك؟ فيقول عائشة قال من الرجال؟ قال أبوها” وكان النبي صلى الله عليه وسلم، لكمال محبته لها، وعظيم منزلتها عنده يُعينها على التمتع بما تحب من المباحات، وعنها رضي الله عنها أنها قالت ” لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد، وإنه ليسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم.

 

ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف” وفي رواية “حتى أكون أنا التي أسأم”وقد كان من بركتها على الأمة أن كانت رضي الله عنها سببا لنزول آية التيمم، كما جاء في “الصحيحين” عنها رضي الله عنها قالت “خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عِقدي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنهما فقالوا ما ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله وبالناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم، فتيمّموا.

 

فقال أسيد بن حُضير ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر، قالت فبعثنا البعير التي كنت عليه فوجدنا العقد تحته، وقد كانت مع كثرة فضائلها رضي الله عنها تخشى الثناء وتتّقيه، وعن أن ابن عباس رضي الله عنهما استأذن على عائشة وهي مغلوبة أي بمرض الموت فقالت أخشى أن يُثني عليّ، فقيل ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن وجوه المسلمين، قالت فائذنوا له، فقال كيف تجدينك؟ فقالت بخير إن اتقيت، قال رضي الله عنه، فأنتي بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج بكرا غيرك، ونزل عُذرك من السماء، فلما جاء ابن الزبير قالت له جاء ابن عباس وأثنى عليّ، ووددت أني كنت نسيا منسيّ” رواه البخاري، ومما جعل الله في حياتها رضي الله عنها من البركة، هذا العلم الكثير الذي روته.

 

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك الفقه الغزير الذي حمله الناس عنها، وحسبُها رضي الله عنها مع هذه الفضائل الكثير ما حدّثت به فقالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي وليلتي، وبين سَحري ونحري، ودخل عبدالرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب، فنظر إليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أنه يريده، فأخذته، فمضغته، ونفضته، وطيّبته، ثم دفعته إليه، فاستن به كأحسن ما رأيته استن قط، ثم ذهب يرفعه إليّ فسقطت يده، فأخذت أدعو له بدعاء كان يدعو به له جبريل، وكان هو يدعو به إذا مرض، فلم يدع به في مرضه ذاك، فرفعه بصره إلى السماء وقال ” في الرفيق الأعلى ” وفاضت نفسه صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي جمع بين ريقه وريقي في آخر يوم من الدنيا” رواه أحمد.

 

وأما عن ابتلاء السيدة عائشة بحادثة الإفك فإنها محنة عظيمة ابتليت بها وطال أمدها ولكن جاءت العاقبة حميدة والحمد لله فقد اتهمت هذه العفيفة الطاهرة حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضها وشاعت التهمة وصارت بعض الألسن تلوكها ، وملخص القصة أن عائشة كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته وفي مرجعهم وقد قربوا من المدينة ذهبت للخلاء بعيدا عن الجيش فلما أتت رحلها وإذا بها قد فقدت عقدا لها فرجعت مرة أخرى تلتمسه وتأخرت فلم ترجع إلا وقد ارتحل الجيش ولم يبق أحد فجلست في مكانها حتى غلبها النوم ولم تقم إلا على صوت رجل يقول “إنا لله وإنا إليه راجعون” فاستيقظت وخمرت وجهها وعرفها لأنه كان رآها قبل نزول الحجاب فأناخ راحلته فركبت وقاد الراحلة وما كلمها ولا كلمته حتى وصلا المدينة.

 

فلما رأى بعض المنافقين هذا المنظر وجدوها فرصة للطعن فيها من أجل أن يطعنوا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة فلم يخبرها أهلها بالشائعة، ولم يكلمها النبي صلى الله عليه وسلم بشيء لكنها شعرت بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يلاطفها كسابق عهده،وبعد شهر بلغها الخبر فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تذهب إلى أهلها فأذن لها فسألت أمها فأكدت لها الخبر فبكت تلك الليلة وما نامت ثم أصبحت وظلت يومها باكية ودخل عليها الليل وهي تبكي حتى كاد كبدها أن ينفلق

وجاءتها امرأة من الأنصار تبكي معها وأبوها وأمها جالسان عندها فبينما هم كذلك إذ دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم جلس عندها وما جلس عندها منذ تكلم الناس وقال لها فيما قال “إن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه”

 

فجف دمعها وقالت لئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف “فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون” ثم اضطجعت على فراشها، عند ذلك جاء الله بالفرج ونزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم فلما انفصل عنه الوحي ضحك صلى الله عليه وسلم وكان أول ما قال”يا عائشة أما والله لقد برأك الله” فقالت أمي قومي إليه فقالت والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله وأنزل الله فيها الآيات من سورة النور “إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم” آيات تتلى ببراءتها إلى قيام الساعة رضي الله عنها وأرضاها وجزاها على ما أوذيت فصبرت خير الجزاء، وتوفيت السيدة عائشة رضي الله عنها وهي في السادسة والستين من عمرها، في الثامنة والخمسين للهجرة بعد أن تركت أعمق الأثر في الحياة الفقهية والاجتماعية والسياسية للمسلمين، وحفظت لهم بضعة آلاف من الحديث عن رسول صلى الله عليه وسلم،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى