مقال

سالم بن عبد الله بن عمر ” جزء 2″

سالم بن عبد الله بن عمر ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع سالم بن عبد الله بن عمر، وقال سعيد بن المسيب رضي الله عنه كان عبد الله أشبه ولد عمر به وكان سالم أشبه ولد عبد الله به، وقال عنه العلامة ابن حبان في الثقات، كان يشبه أباه في السمت والهدي، وقد ولد رضي الله عنه في خلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه، وأمه أم ولد، وهي الأمة التي أنجبت ولدا من سيدها، وقد سمّاه أبوه سالـما على اسم الصحابي الجليل سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه لعلمه وفضله، فعن ابن المسيب رضي الله عنه أنه قال، قال لي ابن عمر أتدري لم سمّيت ابني سالـما؟ قلت لا، قال باسم سالم مولى أبي حذيفة، ويعني أنه أحد السابقين، وكان أبوه يحبه حبّا شديدا، وكان سالم رضي الله عنه ذا شأن عظيم ومكانة كبيرة عند أهل زمانه.

 

وقال مالك لم يكن أحد في زمان سالم بن عبد الله أشبه من مضى من الصالحين في الزهد والفضل والعيش منه، ودخل سالم رضي الله عنه على سليمان بن عبد الملك الخليفة، وعلى سالم ثياب غليظة رثة، فلم يزل سليمان يرحب به، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في المجلس، فقال له رجل من أخريات الناس ما استطاع خالك أن يلبس ثيابا فاخرة أحسن من هذه، يدخل فيها على أمير المؤمنين؟ وكان على المتكلم ثياب سريّة، لها قيمة، فقال له عمر بن عبد العزيز ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك، بل إنه لفضله وعلمه مثل عدد آخر من التابعين.

 

وقد ساهم في تغيير شعور اجتماعي عند أهل المدينة كان يجعلهم يأنفون من الإنجاب من الإماء، ولكن حين رأوا عددا من أكابر علمائهم وفقهائهم ولدوا لأمهات الأولاد زالت هذه النفرة، وقد كان سالم بن عبد الله رضي الله عنه ذا منزلة كبيرة في رواية الحديث وأقوال الصحابة، قال العجلي عنه هو مدني تابعي ثقة، وقال أحمد وابن راهويه أصح الأسانيد الزهري، عن سالم، عن أبيه، وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث عاليا من الرجال، وقد روى عن أبيه وأبي هريرة وأبي رافع وأبي أيوب وعن زيد بن الخطاب وغيرهم رضي الله عن الجميع، وقد روى عنه ابنه أبو بكر، وأبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، والزهري، وصالح بن كيسان، وحنظلة بن أبي سفيان، وعبيد الله بن عمر بن حفص.

 

وأبو واقد الليثي الصغير، وعاصم بن عبيد الله، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، وآخرون رضي الله عنهم، ومن زهده رضي الله عنه في الحياة الدنيا أنه كان لا يكاد يأكل إلا الخبز والزيت، نظر إليه هشام بن عبد الملك في الحج وقال له يا أبا عمر ما طعامك؟ قال الخبز والزيت، فقال هشام كيف تستطيع الخبز والزيت؟ قال أخمره فإذا اشتهيته أكلته، وعن سفيان بن عيينة قال دخل هشام بن عبد الملك الكعبة فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال له يا سالم سلني حاجة، فقال له إني لأستحيي من الله أن أسأل في بيت الله غير الله، فلما خرج، خرج في أثره فقال له الآن قد خرجت، فسَلني حاجة، فقال له سالم حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ فقال بل من حوائج الدنيا.

 

فقال له سالم ما سألت من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم بن عبد الله يطلب أن يكتب إليه بشيء من رسائل عمر بن الخطاب، فكتب أن يا عمر اذكر الملوك الذين تفقأت أعينهم الذين كانت لا تنقضي لذتهم، وانفقأت بطونهم التي كانوا لا يشبعون بها، وصاروا جيفا في الأرض وتحت أكنافها، أن لو كانت إلى جنب مسكين لتأذى بريحهم، وقيل أنه توفي سالم بن عبد الله في ذي الحجة سنة مائه وسته من الهجره، وصلى عليه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وكان في طريق عودته من الحج، بالمدينة، ودُفن بالبقيع، وقد ترك سالم من الولد عمر وأبا بكر وأمهما أم الحكم بنت يزيد بن عبد قيس، وعبد الله وعاصم وجعفر وحفصة وفاطمة وعبد العزيز وعبدة وأمهاتهم أمهات ولد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى