مقال

محامي الفقراء أبو ذر الغفاري ” جزء 2″

محامي الفقراء أبو ذر الغفاري ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع محامي الفقراء أبو ذر الغفاري، فقلت والذي نفسي بيده لا أبرح مكة حتى آتي المسجد وأصرخ بدعوة الحق بين ظهراني قريش فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم، فجئت المسجد وقريش جلوس يتحدثون، فتوسطتهم وناديت بأعلى صوتي يامعشر قريش إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فما كادت كلماتي تلامس آذان القوم حتى ذعروا جميعا وهبوا من مجالسهم، وقالوا عليكم بهذا الصابئ، الخارج من دينه وقاموا إلي جميعا يضربونني لأموت فأدركني العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وأكب علي ليحيمني منهم ثم أقبل عليهم وقال ويلكم أتقتلون رجلا من غفار وممر قوافلكم عليهم فأقلعوا عني ولما أفقت جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى مابي قال ألم أنهك عن إعلان اسلامك.

 

فقلت يارسول الله، كانت حاجة في نفسي فقضيتها، فقال الحق بقومك وخبّرهم بما رأيت وماسمعت وادعهم إلى الله لعل الله أن ينفعهم بك ويؤجرك فيهم، فإذا بلغك أني ظهرت فتعال إلي قال أبو ذر فانطلقت حتى أتيت منازل قومي فلقيني أخي أنيس فقال ماصنعت ؟ قلت صنعت أني أسلمت وصدّقت فما لبث أن شرح الله صدره وقال مالي رغبة عن دينك فإني قد أسلمت وصدقت أيضا ثم أتينا أمنا فدعوناها إلى الإسلام فقالت مالي رغبة عن دينكما وأسلمت أيضا، ومنذ ذلك اليوم انطلقت الأسرة المؤمنة تدعوا إلى الله في غفار لاتكل عن ذلك ولاتمل منه حتى أسلم من غفار خلق كثير وأقيمت الصلاة فيهم وقال فريق منهم نبقى على ديننا حتى إذا قدم الرسول المدينة أسلمنا، فلما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينه أسلموا، فقال عليه الصلاة والسلام.

 

” غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله” وكان أبو ذر رضي الله عنه يحب الله ورسوله حبا كبيرا، فقد روى أنه قال للنبي يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” أنت مع مَن أحببت يا أبا ذر ” فقال أبو ذر فإني أحب الله ورسوله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ” أنت مع مَن أحببت ” رواه أحمد، وكان يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده فيسأل عنه إذا غاب، وقد أحب أبو ذر العلم والتعلم والتبحر في الدين وعلومه، وقال عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أوكأ عليه فلم يخرج شيئا منه، وكان يقول لباب يتعلمه الرجل من العلم خير له من ألف ركعة تطوعا، وكان رضي الله عنه زاهدا في الدنيا غير متعلق بها لا يأخذ منها إلا كما يأخذ المسافر من الزاد.

 

فقال عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ” أبو ذر يمشى في الأرض بزهد عيسى بن مريم عليه السلام ” رواه الترمذي، وأقام أبو ذر في باديته حتى مضت بدر وأحد والخندق ثم قدم على المدينة وانقطع، وخصص نفسه لصحبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنه في أن يقوم على خدمته فأذن له ونعم بصحبته وسعد بخدمته وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثره ويكرمه، فما لقيه مرة إلا صافحه وهش في وجه وبش، وابتسم له وأظهر السرور للقائه، ولما لحق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى لم يطق أبو ذر صبرا على الإقامة في المدينة المنورة بعد أن خلت من سيدها وأقفرت من هدي مجالسه، فرحل إلى بادية الشام وأقام فيها مدة خلافة الصديق والفاروق رضي الله عنهما وعنه، وكان أبو زر يحارب اكتناز المال.

 

ويقول بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاوي من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة، وكان يدافع عن الفقراء، ويطلب من الأغنياء أن يعطوهم حقهم من الزكاة، لذلك سُمي بمحامي الفقراء، ولما عرض عليه عثمان بن عفان أن يبقى معه ويعطيه ما يريد، قال له،لا حاجة لي في دنياكم، وعندما ذهب أبو ذر إلى الرّبذة وجد أميرها غلاما أسود عيّنه عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولما أقيمت الصلاة، قال الغلام لأبي ذر تقدم يا أبا ذر، وتراجع الغلام إلى الخلف، فقال أبو ذر، بل تقدم أنت، فإن رسول الله أمرني أن أسمع وأطيع وإن كان عبدا أسود، فتقدم الغلام وصلى أبو ذر خلفه، وظل أبو ذر مقيما في الرّبذة هو وزوجته وغلامه حتى مرض مرض الموت فأخذت زوجته تبكي، فقال لها ما يبكيك؟

 

فقالت ومالي لا أبكي وأنت تموت بصحراء من الأرض، وليس عندي ثوب أكفنك فيه، ولا أستطيع وحدي القيام بجهازك، فقال أبو ذر إذا مت، فاغسلاني وكفناني، وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكما فقولا هذا أبو ذر، فلما مات فعلا ما أمر به، فمرّ بهم عبد الله بن مسعود مع جماعة من أهل الكوفة، فقال ما هذا؟ قيل جنازة أبي ذر، فبكى ابن مسعود، وقال صدق رسول الله يرحم الله أبا ذر، يمشى وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فصلى عليه، ودفنه بنفسه، وكان ذلك سنة واحد وثلاثون من الهجرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى