مقال

السرقة والمجتمع ” جزء 2″ 

السرقة والمجتمع ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع السرقة والمجتمع، وجاءت الحدود في هذه الشريعة، ردعا لأصحاب النفوس المريضة، وكانت الحدود رحمة من الله تعالى للأمة، وكان القصاص حياة لأولي الألباب، وكان قطع اليد وقاية لأموال الناس، وكان الجلد والرجم حماية لأعراض العالم، وهكذا كانت حدود الشريعة حماية من الله تعالى لأهل الأرض، فلأن يطبق فيهم حد واحد خير لهم من أن يمطروا أربعين صباحا، ولو نظرنا في المجتمع، وكثرة الجرائم التي ترتكب فيه لعلمنا حقا عظمت الشريعة في تشريعاتها وأحكامها، ولنأخذ على سبيل المثال مرضا متفشيا من الأمراض الخطيرة التي لا تزال تعظم وتزداد، وربما لا يوجد أحد إلا ووقع في شيء من ذلك، من قبل مجرم من المجرمين، ألا وهو مرض السرقة، جريمة السرقة جريمة تزداد وتكثر.

 

على جميع الأصعدة والمستويات، جريمة السرقة من الجرائم المتفشية العظيمة، فلننظر أيها المسلمون في شرعنا وديننا ماذا يوجد بشأن هذا الموضوع، في سورة عظيمة، في آخر السور نزولا سورة المائدة كان حد الله في السارق، فقال تعالي ” والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم” وكلنا يعلم حديث المرأة المخزومية التي سرقت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فروى الإمام البخاري في صحيحه ان امرأه سرقت فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ففزع قومها إِلَى أسامه بن زيد يستشفعونه قال عروه، فلما كلمه فيها أسامه تلون وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ” أتكلمنى في حد من حدود الله ” ؟ قال أسامه أستغفر لى يا رسول الله” فلما كان العشى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأثنى على الله بما هو أهله.

 

ثم قال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذى نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يداها ” متفق عليه، فإن السرقة سبب لانتشار البطالة في المجتمع، فما جاء الإسلام بتحريم السرقة إلا ليجعل من المجتمع مجتمعا آمنا مطمئنا على ثمرة جهده بأنها لن تضيع، جاء الإسلام وحرّم السرقة من أجل أن ينشط الناس للعمل، لأن السارق عندما يعلم بأن السرقة حرام، وأن عاقبتها وخيمة في الدنيا قبل الآخرة، فإنه يتوجه للعمل، ومن توجه للعمل كان منتجا ولم يكن بطالا يعيش على حساب الآخرين، وأن السرقة خلق ذميم، وخلق رذيل، وخلق يملي أن هذا السارق لا قدر له ولا قيمة، ذلكم أن هذا السارق عضو أشل في مجتمعه، فاشل في بلاده لا يعول عليه ولا يطمأن إليه؟

 

ولا يركَن إليه، لماذا؟ لأن هذا شخص مجرِم عطل القوى التي منحه الله إياها، منحه الله السمع والبصر والعقل، ويسّر له الأمور، لكنه لم يرضي بهذا، بل سخّر حواسه وقواه في أمور رديئة رذيلة، وإن السارق قد ارتكب خُلقا سيئا، فقد ضعفت نفسه عن القناعة والعمل، وضعفت نفسه عن الإنتاج، وضعفت نفسه عن التنافس في سبُل الخير، وإنما لجأ إلى هذه الطرق الملتوية يعرض فيها دينه، ويعرض فيها حياته وسمعته، ويغامر وربما وقع في الفخ فقضي عليه فخسر دنياه وآخرته، وإن نال من السرقة ما نال، فإن مال الحرام هو سحت وظلم وعدوان، وهو يجعل قلبه دائما يلهث، لا يقنع بالحلال ولا يطمئن إليه، بل لو خير هذا بين كسب الحلال والحرام لكان الحرام عنده أحسن وألذ من الحلال، لأن فطرته قد انتكست والعياذ بالله، وقد حرمت الشريعة الإسلامية السرقة.

 

لأنها اعتداء على حقوق ومجهود الغير، وجرمت فاعلها، ووضعت للسارق عقوبة وحدا وهو قطع اليد باعتباره مرتكبا لأمرا شنيعا حرمته الشريعة الإسلامية، وقد حددت خمس شروط يجب توافرها لتطبيق الحد في جريمة السرقة، وهى أن يكون السارق مكلفا، وأن يقصد فعل السرقة، وألا يكون مضطرا إلى الأخذ، وأن تنتفى القرابة بينه وبين المسروق منه، وألا تكون عنده شبهة فى استحقاقه ما أخذ، وإن الله عز وجل يكفر ذنوب العباد من خلال التوبة الصادقة إليه، فمن وقع في ذنب السرقة وأراد أن يكفر عن ذنبه فإنه يجب عليه التوبة إلى الله تعالى، وأن يبرئ ذمته من حقوق العباد التي أخذها بغير وجه حق، وإبراء الذمة من المسروقات يكون بردها إلى أصحابها إن كانت باقية في يد السارق، ويكون برد المثل أو القيمة عند تلف المسروقات أو فقدانها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى