مقال

أحوال في شهر رجب ” جزء 10″

أحوال في شهر رجب ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر مع أحوال في شهر رجب، وتأخر النصر والتمكين، فالنصر لا يتنزل على الكسالى والخاملين، ولا يتنزل على المُفرطين بل لا يتنزل إلا على العاملين المصلحين المُجدين المُجيدين المحسنين، وصدق الله إذ يقول كما جاء في سورة الروم ” وكان حقا علينا نصر المؤمنين” ومن أوائل صفات المؤمنين أنهم يعملون الصالحات، فقال سبحانه وتعالي في سورة آل عمران “وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين” وإن التفريط في العمل ظلم وإساءة، وأيضا تسلط أعداء الأمة على الأمة وأبنائها، فانظر إلى حال الغرب الآن، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه بعد أن كانوا يتعلمون من الأمة وعلمائها يوما من الأيام، ولكن استطاعوا أن ينهضوا ويطوّروا وينتجوا، واستطاعوا أن يستغلوا الطاقات، ويوظفوها ويتقنوا أعمالهم بعد غفلة وفشل منهم.

 

وقد قال الغزالي رحمه الله “الناس رجلان، رجل نام في النوم، وآخر استيقظ في الظلام” وأيضا التخلف الحضاري وغياب التقدم للمسلمين، ومن ثم التبعية للغير، والسير في ركاب الآخرين من الفائقين المتميزين، وكذلك انتشار الفوضى، وفقدان النظام، ومن ثم شيوع الظلم والاستبداد وضياع الحقوق، فإن الدنيا لا تستحق من الاهتمام ذلك القدر الذي يوقع الإنسان في المعاصي والمحرمات، فازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس” وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك من أهل القبور، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك” فإن لكم بيوتا تتوجهون إليها غير هذه الدار، فيقول الله عز وجل في سورة غافر ” يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار”

 

فاعبروها ولا تعمروها، فمن ذا الذي يبني على موج البحر دارا، تلكم الدنيا فلا تتخذها قرارا، فإن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، ولا تنسوا أن الدنيا حرامها عقاب، وحلالها حساب، وهي والله ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب الله على أهلها منها الظعن، فكم من عامر موثق عما قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، فالعجب كل العجب ممن الدنيا مولية عنه، والآخرة مقبلة إليه، يشتغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم لا يدري، لعله أن يبيت في أهل الدنيا ويصبح في أهل الآخرة، فكم من مستقبل ليوم لا يستكمله.

 

وكم من مؤمل لغد لا يدركه، فلا يدعوك ما أنت فيه من زهرة الدنيا إلى الابتهاج بها والغفلة عما بعدها، ويقول تعالي في سورة الرعد ” وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الأخرة إلا متاع” فلابد من إصلاح البطن وصيانتها عن أي لقمة حرام أو أكلة حرام، ولا يتم ذلك إلا بالأكل من الطيبات، وتطهير المال عن الحرام، ولا تقع في الحمق والغفلة كالذي يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك، أنى يستجاب له وقد أعمته الدنيا، فاكتسب في تحصيلها الذنوب والآثام، ولم يرع حق من أنعم عليه ورعاه، وقيل أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله، إن شرائع الإيمان قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال “لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله تعالى”

 

ففي ذكر الله شغل لك يكفيك عن الكلام فيما لا ينفعك، ويكفيك من الغيبة والنميمة، ومن الفحش والسباب، ومن اللغو والكذب، فمصدر الخطر العظيم على الإنسان فرجه ولسانه، فهما أكثر ما يدخل الناس النار، ووالله كم من عاقل لبيب قل عقله بسبب الشهوة، وكم من عابد افتتن وسقط وخاب سعيه بسبب الشهوة، فكلنا يحتاج إلى وقاية من هذه المزلة العظيمة، فلسنا ملائكة، بل كلنا بشر فينا الشهوة وفينا الضعف، ويجب علينا ونحن في هذه الأيام الطيبة الغستعداد ليوم الرحيل وإن من الاستعداد ليوم الرحيل بعد إصلاح القلب إصلاح اللسان، فإن الرجل ليتكلم بالكلمة، لا يلقي لها بالا، يزل بها أبعد مما بين المشرق والمغرب، وايضا “وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم” و”من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”

 

ومن تكلم فيما لا يعنيه حُرِم الصدق، وعاد بالهم والبؤس، وأكثر الناس ذنوبا أكثرهم كلاما فيما لا يعنيهم، وقال الحسن رحمه الله من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه خذلانا من الله عز وجل، والعناية لا يحددها هوى النفس والقلب، وإنما الذي يحدد هل ذلك مما يعنيك أو لا يعنيك هو حكم الشرع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى