مقال

أصل البر في الإسلام ” جزء 2″

أصل البر في الإسلام ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع أصل البر في الإسلام، فهناك أولا الصدق في إيمان العبد بهذا الدين ابتداء، وفي نطقه بالشهادتين، فلابد أن يكون صادقا فيما بينه وبين ربه في ذلك، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، قال “ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار” رواه البخارى ومسلم، ولقد أمر الله بالصدق في عدة آيات، وأثنى على الذين يرعون العهد والأمانات، وأخبر بما لهم من الثواب الجسيم، فقال تعالى فى سورة المائدة ” هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر, وإن البر يهدي إلى الجنة, ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق, حتى يكتب عند الله صديقا ”

 

فأخبر النبى الكريم صلى الله عليه وسلم أن الصدق يهدي إلى البر, والبر، اسم جامع لكل خير وطاعة, وإحسان إلى الخلق، والصدق عنوان الإسلام، وميزان الإيمان, وعلامة الكمال، وإن لصاحبه المقام الأعلى عند الملك المتعال، وبالصدق يصل العبد إلى منازل الأبرار، وبه تحصل النجاة من الآفات وعذاب القبر وعذاب النار، وبالصدق يكون العبد معتبرا عند الله وعند الخلق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” البيعان بالخيار, فإن صدقا وبيّنا, بورك لهما في بيعهما, وإن كذبا وكتما, مُحقت بركة بيعهما” فالبركة مقرونة بالصدق والبيان، والتلف والمحق مقرون بالكذب والكتمان، والمشاهدة أكبر شاهد على ذلك والعيان، فإنه لا تجد صادقا إلا مرموقا بين الناس بالمحبة والثناء التعظيم، ولا كذابا إلا ممقوتا بهذا الخُلق الأثيم.

 

وإن الصادق يطمئن إلى قوله العدو والصديق، والكاذب لا يثق به بعيد ولا قريب، وإن الصادق الأمين, مؤتمن على الأموال والحقوق والأسرار، ومتى حصل منه كبوة أو عثرة, فصدقه شفيع يقيه العثار، والكاذب لا يؤمن على مثقال ذرة, ولو فرض صدقه أحيانا, لم تحصل به الثقة والاستقرار، وما كان الصدق في شيء إلا زانه, ولا الكذب في شيء إلا شانه، وإن الصدق طريق الإيمان، والكذب بريد النفاق، وهناك أيضا صدق العبد بينه وبين ربه في الطلب والدعاء والعبادة، فعن أبي ثابت وقيل أبي سعيد، وقيل أبي الوليد، سهيل بن حنيف وهو بدري رضي الله عنه أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قال “من سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه” رواه مسلم.

 

وتأملوا أيضا ما صح عند الترمذي وغيره عن أبي هريرة مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم “ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه” فانظروا مدى انتفاع المسلم بالدعاء والذكر إن وجد فيهما الصدق، ومدى خسرانه وعدم انتفاعه بذلك مع غياب الصدق من القلب والاقتصار على حركة الجوارح، كذلك الذي يستغفر ربه وفي قلبه نية العودة إلى الذنب، فهذا كما قال السلف، كالمستهزئ بربه، واستغفاره يحتاج إلى استغفار، وفي المقابل لو استغفر العبد ربه بصدق وعزم على عدم العودة إلى الذنب وندم على ما فات فإن الله يغفر له، ولو عاد فوقع في الذنب مرة أخرى واستغفر بنفس الصدق السابق ذكره لغفر الله له، كما ورد بذلك الحديث الصحيح.

 

وذكر بعض العلماء فيما سلف من الزمان أن العبد إذا قال في استفتاح صلاته، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، وقلبه مشغول بالدنيا فهو كاذب فأيّنا يحاسب نفسه على ألفاظه وأذكاره ودعواته، وما فيها من صدق وحضور قلب وصفاء نية؟ وأن الصدق في مقامات الدين وعباداته درجات متفاوتة، فمثلا يتفاوت المؤمنون في صدق خوفهم من الله عز وجل، فإنك تجد كثيرا من المسلمين يصح إطلاق اسم الخوف في حقهم ولكن لا يبلغون حقيقته الكاملة، فمثلا ترى أحدهم إذا خاف سلطانا يصغر ويرتعد خوفا من وقوع المحذور، ثم إنه يخاف النار ولا يظهر عليه شيء من ذلك عند فعل المعصية، ولذلك قال عامر بن قيس، عجبت للجنة نام طالبها، وعجبت للنار نام هاربها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى