مقال

منزلة الصدق من الدين ” جزء 2″

منزلة الصدق من الدين ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع منزلة الصدق من الدين، وعندما قال الله تعالى فى سورة التوبة ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” هو الأمر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثلاثة الذين خلفوا، وهذه الآية الكريمه كانت بعد ذكر قصة الثلاثة الذي خلفت التوبة عليهم، وأرجأ الله أمرهم امتحانا لهم ولبقية المؤمنين، وجاء المنافقون من الأعراب يعتذرون ويكذبون، وهؤلاء الثلاثة صدقوا الله ورسوله فأرجأ الله التوبة عليهم، وسُموا بالمخلفين وكان مما أمر الله به في الآيات التي جاءت تعقيبا على تلك القصة، وقال القرطبي رحمه الله “الأمر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثلاثة الذين خلفوا حين نفعهم صدقهم وذهب بهم عن منازل المنافقين” فقال مطرّف “سمعت مالك بن أنس يقول .

“قل ما كان رجل صادقا لا يكذب إلا مُتع بعقله ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم والخرف” وهذا من فوائد الصدق، وأما عن وقوله تعالى ” وكونوا مع الصادقين ” فقد اختلف فيهم فقيل خطاب لمن آمن من أهل الكتاب، أي المؤمنين والصادقين وقيل أنه خطاب لمن آمن من أهل الكتاب، وقيل هو خطاب لجميع المؤمنين أن اتقوا الله وكونوا مع الصادقين الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لا مع المنافقين، وقيل كونوا على مذهب الصادقين وسبيلهم، وقيل أيضا هم الأنبياء، أي كونوا معهم بالأعمال الصالحة فتدخلوا الجنة بسببها فتكونوا معهم أيضا” وقال النبي صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح ” عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في النار، وسلوا الله اليقين والمعافاة” رواه أحمد.

وهذا الحديث الذي فيه قوله صلى الله عليه وسلم “عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة” رواه احمد، وعليكم بالصدق أي الزموه، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق يعني، في قوله وعمله، ويبالغ ويجتهد حتى يُكتب عند الله صديقا، فهذا يعني أن الصدق لا يصل إليه الإنسان إلا بالمجاهدة، ولا يزال يصدق ويتحرّى الصدق، يتعمد ويتحرى ويقصد الصدق، ولا يزال ديدنه وعادته حتى يصل إلى المرحلة العظيمة وهي أنه عند الله صديقا، ويُكتب أي يثبت عند الله تعالى، وقال الإمام النووي معلقا على الحديث “فيه فضيلة الصدق وملازمته وإن كان فيه مشقة فإن عاقبته خير” وكلمة حتى يُكتب عند الله صديقا فيه إشارة إلى حسن خاتمة هذا الرجل، لأنه قال.

” ولا زال يصدق ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صديقا ” رواه مسلم، فإذا كتب عند الله صديقا فهذه إشارة إلى حسن خاتمته، وإشارة إلى أن الصدق مأمول العواقب، وأما عن الخمسة أمور التى هى مدخل صدق، ومخرج صدق، ولسان صدق، وقدم صدق، ومقعد صدق، فأما مدخل الصدق ومخرج الصدق بأن يكون دخوله وخروجه حقا شرعيا موافقا للكتاب والسنة في أي أمر من الأمور، وهو ضد مخرج الكذب ومدخل الكذب الذي لا غاية له يوصل إليها، فمخرج النبي صلى الله عليه وسلم، هو وأصحابه في غزوة بدر هو مُخرج صدق، ومُخرج الأعداء من كفار قريش إلى غزوة بدر هو مخرج كذب، ومدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة كان مُدخل صدق في الله وابتغاء مرضاة الله.

هاجر وترك الوطن والأهل ابتغاء مرضاة الله، فاتصل به التأييد والظفر والنصر، بخلاف مُدخل الكذب الذي رام أعداؤه أن يدخلوا به المدينة يوم الأحزاب، فإنه لم يكن لله، ولا بالله، بل كان محادا لله ورسوله، فلم يتصل به إلا الخذلان والبوار” وقد فُسّر مدخل الصدق ومخرجه بخروجه صلى الله عليه وسلم، من مكة ودخوله المدينة، وهذا مثال على ذلك، وليس هو كل مدخل الصدق ومخرج الصدق، وإنما هو مثال عليه، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، مداخله ومخارجه كلها كانت مداخل صدق ومخارج صدق، لا يخرج من المدينة ويدخل بلدا، أو يدخل في أمر أو يخرج من أمر إلا لله وبالله، وما خرج أحد من منزله ودخل سوقه أو مدخلا آخر إلا بصدق أو كذب، فمدخل كل واحد منا ومخرجه لا يعدو الصدق والكذب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى