مقال

حول معجزة الإسراء والمعراج ” جزء 10″

حول معجزة الإسراء والمعراج ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء العاشر حول معجزة الإسراء والمعراج، إذ بدأ بعدها مرحلة جديدة من دعوته، بالإضافة إلى أنها كانت فضلا عظيما للنبي صلى الله عليه وسلم وتعويضا له عما لاقاه من قومه واعتراضهم له، فقال الله تعالى ” ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما” وكما أنها كانت لأجل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم من آيات الله سبحانه وتعالى العظيمة، لقوله تعالى عن رحلة الإسراء ” لنريه من آياتنا ” وقال سبحانه وتعالى عن رحلة المعراج ” لقد رأى من آيات ربه الكبرى” وهذا لما في ذلك من القدرة على مواجهة مصاعب الدعوة التي تعترضه، ومن المشاهد التي رآها الأنبياء والمرسلين، وبعض مشاهد الجنة والنار، وغير ذلك، وأما عن توقيت رحلة الاسراء والمعراج فقد تعددت آراء علماء السيره في زمن رحلة الإسراء والمعراج.

 

وأشهر هذه الأقول ما قاله الزهري، حيث قال إنها كانت قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بسنة، وكانت بعد معاناة النبي صلى الله عليه وسلم من رحلته إلى الطائف، فكانت في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب من السنة الثانية عشرة للبعثة المحمدية، وأما عن أحداث ليلة الإسراء والمعراج، فقد أخرج الإمام البخاري رحمه الله، في صحيحه حادثة الإسراء المعراج، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم مستلقيا على ظهره في بيت السيدة بنت عمه أم هانئ، فانفرج سقف البيت، ونزل منه ملكان على هيئة البشر، فأخذاه إلى الحطيم عند زمزم، ثم شقا صدره، وأخرجا قلبه الشريف وغسلاه بماء زمزم، وملآه بالإيمان والحكمة لكي يكون ذلك استعدادا له لما سيشاهده، وليكون تهيئة له من الناحية اليقينية والروحية، وقد علق الحافظ ابن حجر على ذلك فقال.

 

“وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة فلا يستحيل شيء من ذلك” ثم جاء جبريل عليه السلام للنبى صلى الله عليه وسلم بدابة البراق، وهي دابة أصغر من الفرس وأكبر من الحمار، تضع حافرها عند منتهى طرفها، أي تضع خطواتها فتصل إلى مد بصرها، فلما ركبها النبي صلى الله عليه وسلم لم يثْبت، حتى قال له جبريل عليه السلام أن يثبت، فلم يركبها أحد خير منه، فثبت النبي صلى الله عليه وسلم وتصبب عرقا، ثم انطلقت بهما إلى بيت المقدس، ثم عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم وجبريل إلى السماء الدنيا، فرأى صلى الله عليه وسلم أبونا آدم عليه السلام، ورحب به، ورد عليه السلام، وأراه أرواح الشهداء عن يمينه.

 

وأرواح الأشقياء عن يساره، ثم صعد صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية، فرأى فيها يحيى وعيسى عليهما السلام، فسلم عليهما، ثم صعد صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثالثة ورأى فيها يوسف عليه السلام، ثم رأى إدريس عليه السلام في السماء الرابعة، وهارون عليه السلام في السماء الخامسة، وموسى عليه السلام في السماء السادسة، وفي السماء السابعة رأى الخليل إبراهيم عليه السلام، وجميعهم يُسلمون عليه، ويُقرّون بنبوته، ثم صعد إلى سدرة المنتهى، والبيت المعمور، ثم صعد فوق السماء السابعة، وكلم الله تعالى، ففرض عليه خمسين صلاة، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم يراجعه حتى جعلها خمسا، وعُرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل له أنه أصاب الفطرة، ورأى أنهار الجنة، اثنان ظاهران، واثنان باطنان، ورأى خازن النار مالك.

 

ورأى أكلة الربا، وأكلة أموال اليتامى ظلما، وغير ذلك الكثير من المشاهد، ولقد كان لرحلة الإسراء والمعراج الكثير من الدروس والعبر المستفادة، منها هو تعويض الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم لصد الناس عنه، وخاصة أن الحادثة كانت بعد أذى أهل الطائف له، ومنعه من دخول المسجد الحرام إلا بجوار مطعم بن عدى، فعوضه الله سبحانه وتعالى بفتح أبواب السماء له، وترحيب أهلها به تعزية ومواساة من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد وفاة زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب، فأكرمه الله تعالى برؤية آيات من ربه وأمور أخرى، وكذلك فتنة الناس وامتحانهم من خلال بيان المصدق والمكذب له، حيث إن الذهاب إلى بيت المقدس لا يكون إلا برحلة مقدارها شهرين ذهابا وإيابا، وسمى من حينها أبو بكر رضي الله عنه، بالصديق، وذلك لتصديقه للنبي صلى الله عليه وسلم في معجزة الإسراء والمعراج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى