مقال

نبش قبر النبي صلي الله عليه وسلم.

نبش قبر النبي صلي الله عليه وسلم.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

لقد تعرّض قبر النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إلى محاولات نبش، وأشهرها ما كان في زمن نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي، وفي سنة سبعة وخمسين وخمسمائة قد جرت الكائنة الغريبة أن الملك العادل نور الدين زنكي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه ليلة ثلاث مرات وهو يشير إلى رجلين أشقرين يقول أنجدني من هذين، فأرسل إلى وزيره وتجهّزا في بيته ليلتهما على رواحل خفيفة في عشرين نفرا، وصحب مالا كثيرا، فقَدم المدينة في ستة عشر يوما فقام بزيارة المدينة، ثم أمر بإحضار أهل المدينة بعد كتابتهم، وصار يتأمل في كل ذلك تلك الصفة إلى أن انقضت الناس، فقال هل بقي أحد ؟ قالوا لم يبق سوى رجلين صالحين عفيفين مغربيين يكثران الصدقة، فطلبهما، فرآهما الرجلين اللذين أشار إليهما رسول الله صلي الله عليه وسلم.

 

فسأل عن منزلهما فأخبر أنهما في رباط بقرب الحجرة الشريفة، فأمسكهما ومضى إلى منزلهما فلم يري غير ختمتين وكتبا في الرقائق ومالا كثيرا، فأثنى عليهما أهل المدينة خيرا، فبقي مترددا متحيرا، فرفع حصيرا في البيت فرأى سردابا محفورا ينتهي إلى صوب الحجرة، فارتاعت الناس لذلك، فقال لهما السلطان أصدقاني وضربهما ضربا شديدا، فاعترفا بأنهما نصرانيان بعثهما النصاري في زيّ حجاج المغاربة، أي بمعني أنهم يرتدون ملابس الإحرام لأهل المغرب وأمالوهما بالمال العظيم ليتحيّلا في الوصول إلى الجناب الشريف ونقله وما يترتب عليه فنزلا قرب رباط وصارا يحفران ليلا، ولكل منهما محفظة جلد، والذي يجتمع من التراب يخرجانه في محفظتيهما إلى البقيع إذا خرجا بعلة الزيارة، فلما قرب من الحجرة أرعدت السماء وأبرقت وحصل رجف عظيم.

 

فقدم السلطان صبيحة تلك الليلة فلما ظهر حالهما بكى السلطان بكاء شديدا، وأمر بضرب رقابهما، فقتلا تحت الشباك الذي يلي الحجرة الشريفة المسمى الآن شباك الجمال، ثم أمر بإحضار رصاص عظيم وحفر خندقا عظيما إلى الماء حول الحجرة الشريفة كلها وأذاب ذلك الرصاص وملأ الخندق، فصار حول الحجرة الشريفة سور من رصاص إلى الماء، وفي سنة إحدى وستين وخمسمائة ذكر صاحب الخميس عن شمس الدين صواب الموصلي بواب المسجد النبوي والقائم بأمره بإسناد صحيح عنه أن جماعة من الروافض وصلوا من حلب فأهدوا إلى أمير المدينة الشريفة من الأموال والجواهر ما لم يخطر ببال، فشغله ذلك وأنساه دينه، والتمسوا منه أن يخرجوا جسد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من عند النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فلما غشيه من حب الدنيا والتشاغل بالأموال عن الدين وافقهم على ذلك، وقال صواب الموصلي المذكور فطلبني أمير المدينة وقال إن في هذه الليلة يصل إليك كذا وكذا من الرجال، فحين يصلون إليك سلم إليهم مفتاح الحجرة الشريفة النبوية ولا تتشاغل عنهم، وإلا أخذت ما فيه عيناك، وقال صواب فأخذتني رعدة ودهشة ولا أدري إلام يئول الأمر، فانتظرت فلما كان نصف الليل أقبل أربعون رجلا، فدخلوا من باب السلام، فسلمت إليهم مفتاح الحجرة المطهرة، فإذا معهم المقاحف والمكاتل وآلات الحفر، فعرفت مرادهم وغاب حسي من الهيبة النبوية، ثم سجدت لله وجعلت أبكي وأتضرع، فما نظرت إلا وقد انشقت الأرض واشتملتهم بجميع ما معهم من آلات الحفر والتأمت لساعتها، وذلك عند المحراب العثماني، فسجدت شكرا لله فلما استبطأ الأمير الخبر.

 

أرسل لي رسولا فأخبرته بما رأيت، فطلبني عاجلا فوصلت إليه، فإذا هو مثل الواله، فسألني مشافهة فحققت له ما رأيت، فقال إن خرج منك هذا الأمر قتلتك فلم أزل ساكتا عن بث هذا الأمر مدة حياة ذلك الأمير خوفا منه وقال مُجير الدين الحنبلي في ” الأنس الجليل ” ثم في سنة ثماني وسبعين وخمسمائة قصد الإفرنج المقيمون بالكرك والشوبك المسير لمدينة رسول الله صل الله عليه وسلم لينبشوا قبره الشريف وينقلوا جسده الكريم إلى بلادهم ويدفنوه عندهم ولا يمكنوا المسلمين من زيارته إلا بجعل، فأنشأ البرنس أرباط صاحب الكرك سفنا حملها على البر إلى بحر القلزم، وركب فيها الرجال وسارت الإفرنج ومضوا يريدون المدينة الشريفة، فكان السلطان صلاح الدين على حوران، فلما بلغه ذلك بعث إلى سيف الدولة بن منقذ نائبه بمصر.

 

يأمره بتجهيز حسام الدين لؤلؤ الحاجب خلف العدو، فاستعد لذلك وسار في طلبهم حتى أدركهم ولم يبقي بينهم وبين المدينة الشريفة النبوية إلا مسافة يوم، وكانوا أكثر من ثلاثمائة، وقد انضم إليهم عدة من العربان المرتدة، ففرت العربان والتجأ الإفرنج إلى رأس جبل صعب المرتقى، فصعد إليهم في نحو عشرة أنفس وضايقهم فيه فخارت قواهم بعد ما كانوا معدودين من الشجعان وقبض عليهم وقَيدوهم وحملهم إلى القاهرة، كما تعرّض قبر النبي صلى الله عليه وسلم لمحاولات نبش من خلال العبيديين الرافضة، وقد قال السخاوي في ” التحفة اللطيفة ” ومن أغرب ما اتفق له مما أورده ابن النجار بسنده أن بعض الزنادقة أشار على الحاكم بأمر الله العبيدي بنبش القبر الشريف وحمله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما إلى مصر لتكون محط الرحال،

 

فأنفذ لأبي الفتوح يأمره بذلك، فسار حتى قدم المدينة فحضر إليه جماعة من أهلها ممن علم سبب قدومه ومعهم قارئ يُعرف بالركباني، فقرأ بين يديه قول الله تعالي ” وإن نكثوا أيمانهم من بعد عدتهم” إلي قوله تعالي ” قاتلوهم يعذبهم الله” فماج الناس وكادوا أن يقتلوا أبا الفتوح ومن معه من الجند، فلما رأى ذلك قال لهم الله أحق أن يخشى، ووالله لا أتعرض لشيء من هذا، ودع الحاكم يفعل فيّ ما أراد، ثم استولى عليه ضيق الصدر وتقسيم الفكر كيف أجاب، فما غابت الشمس من بقية يومه حتى أرسل الله من الريح ما كادت الأرض تزلزل منه، وتدحرجت الإبل بأقتابها، والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض، وهلك خلق كثيرون من الناس، وانفرج هم أبي الفتوح بما أرسله من تلك الرياح التي شاع ذكرها في الآفاق، ليكون حجة له عند الحاكم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى