مقال

أبو الفضل الربيع بن يونس “جزء 2”

أبو الفضل الربيع بن يونس “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع أبو الفضل الربيع بن يونس، فقال له الربيع كم تترحم على أبيك بحضرة أمير المؤمنين؟ فقال له الهاشمي انت معذور يا ربيع، لأنك لا تعرف مقدار الآباء، فخجل منه، ولما دخل أبو جعفر المنصور المدينة، قال للربيع ابغني رجلا عاقلا عالما ليقفني على دورها، فقد بعد عهدي بديار قومي، فالتمس له الربيع فتى من أعلم الناس وأعقلهم، فكان لا يبتدئ بالإخبار عن شيء حتى يساله المنصور فيجيبه بأحسن عبارة وأجود بيان وأوفى معنى، فأعجب المنصور به، فأمر له بمال فتأخر عنه، ودعته الضرورة إلى استنجازه، فاجتاز ببيت عاتكة بنت عبد الله بن أبي سفيان الأموي، فقال يا أمير المؤمنين، هذا بيت عاتكة، الذي يقول فيه الأحوص بن محمد بن محمد الأنصاري، يا بيت عاتكة الذي أتعزل، حذر العدا وبه الفؤاد موكل، إني لأمنحك الصدود وإننى، قسما إليك مع الصدود لأميل.

 

ففكر المنصور في قوله، وقال لم يخالف عادته بابتداء الإخبار دون الاستخبار غلا الأمر، وأقبل يردد القصيدة ويتصفحها شيئا فشيئا حتى انتهى إلى قوله فيها، وأراك تفعل ما تقول وبعضهم، مذق الحديث يقول ما لا يفعل، فقال المنصور يا ربيع، هل أوصلت إلى الرجل ما أمرنا له به؟ قال تأخر عنه لعلة ذكرها الربيع، فقال عجله له مضاعفا، وهذا ألطف تعريض من الرجل، وحسن فهم من المنصور، وكان يقول من كلم الملوك في الحاجات في غير أوقاتها لم يظفر ببغيته، وما أشبه الحال في ذلك إلا بأوقات الصلاة، فإن الصلاة لا تقبل إلا فيها، فمن أراد خطاب الملوك فليختر لذلك الوقت المنجح الذي يصلح فيه ذكر ما أراد ليصح النجح، وغلا فلا، وحكت فائقة بنت عبد الله أم عبد الواحد بن جعفر بن سليمان، فقالت كنا يوما عند المهدي أمير المؤمنين.

 

وكان قد خرج متنزها إلى الأنبار، إذ دخل عليه الربيع، ومعه قطعة من جراب فيه كتابة برماد وخاتم من طين قد عجن بالرماد وهو مطبوع بخاتم الخلافة، فقال يا أمير المؤمنين، وما رأيت أعجب من هذه الرقعة، جاءني بها رجل أعرابي، وهو ينادي، هذا كتاب أمير المؤمنين، دلوني على هذا الرجل الذي يسمى الربيع، فقد أمرني أن أدفعها إليه، وهذه هي الرقعة، فأخذها المهدي وضحك وقال صدقت، هذا خطي وهذا خاتمي، أفلا أخبركم بالقصة كيف كانت؟ قلنا أمير المؤمنين أعلى رأيا في ذلك، فقال خرجت أمس إلى الصيد في غب سماء، فلما أصبحت هاج علينا ضباب شديد وفقدت أصحابي حتى ما رأيت منهم أحدا، وأصابني من البرد والجوع والعطش ما الله به أعلم، وتحيرت عند ذلك فذكرت دعاء سمعته من أبي، يحكيه عن أبيه عن جده.

 

عن ابن عباس رضى الله عنهما، قد رفعه، قال من قال إذا أصبح وإذا أمسى، بسم الله وبالله ولا حول ولا قوة إلا بالله، اعتصمت بالله وتوكلت على الله، حسبي الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقي وكفي وهدي وشفي من الحرق والغرق والهدم وميتة السوء، فلما قلتها، رفع الله لي ضوء نار، فقصدتها فإذا بهذا الأعرابي في خيمة له، وإذا هو يوقد نارا بين يديه، فقلت له أيها الأعرابي، هل من ضيافة؟ فقال انزل، فنزلت، فقال لزوجته هاتي ذلك الشعير، فأتت به، فقال اطحنيه، فابتدأت تطحنه، فقلت له اسقني ماء، فأتى بسقاء فيه مذقة لبن أكثرها ماء، فشربت منها شربة ما شربت شيئاً قط إلا وهي أطيب منه، وأعطاني حلسا له فوضعت رأسي عليه، فنمت نومة ما نمت أطيب منها وألذ، ثم انتبهت، فإذا هو قد وثب إلى شويهة فذبحها، وإذا امرأته تقول له.

 

ويحكّ قتلت نفسك وصبيتك، إنما كان معاشكم من هذه الشاة، فذبحتها فبأي شيء نعيش؟ قال فقلت لا عليك، هات الشاة، فشققت جوفها، واستخرجت كبدها بسكين كانت في خفي، فشرحتها ثم طرحتها على النار وأكلتها، ثم قلت له هل عندك شيء أكتب لك فيه؟ فجاءني بهذه القطعة من جراب، وأخذت عودا من الرماد الذي بين يديه، وكتبت له هذا الكتاب، وختمته بهذا الخاتم، وأمرته أن يجيء ويسأل عن الربيع فيدفعها إليه، فإذا في الرقعة خمسمائة ألف درهم، فقال والله ما أردت إلا خمسين ألف درهم، ولكن جرت بخمسمائة ألف درهم، لا أنقص والله منها درهما واحدا، ولو لم يكن في بيت المال غيرها، احملوها معه، فما كان إلا قليل حتى كثرت إبله وشاؤه، وصار منزلا من المنازل ينزله الناس ممن اراد الحج، وسمي منزل مضيف أمير المؤمنين المهدي.

 

وفى نهاية حياة الربيع بن يونس، يقال إن الهادي قتله بالسم، وقيل أنه مرض ثمانية أيام ومات، وقد عمل لحجابة الخليفة هارون الرشيد ابنه الفضل بن الربيع، وقد حدث عن جعفر بن محمد الصادق، وقد روى عنه موسى بن سهل، وابنه الفضل بن الربيع، وعبد الله بن عامر التميمي، وكانت وفاة الربيع في أول سنة سبعين ومائة، وقال الطبري، مات الربيع في سنة تسع وستين ومائة، وعمل حجابة الرشيد ابنه الفضل بن الربيع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى