مقال

الإمام الشافعي ” جزء 2″

الإمام الشافعي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإمام الشافعي، فكان الإمام الشافعي رجلا طويلا، حسن الخلق، محببا إلى الناس، نظيف الثياب، فصيح اللسان، شديد المهابة، كثير الإحسان إلى الخلق، وكان يستعمل الخضاب بالحمرة عملا بالسنة، وكان جميل الصوت في القراءة، لقد عُرف الإمام الشافعي بالنجابة والذكاء والعقل منذ أن كان صغيرا، وشهد له بذلك الشيوخ من أهل مكة وقال الحميدي ” كان إبن عيينة، ومسلم بن خالد، وسعيد بن سالم، وعبد المجيد بن عبد العزيز، وشيوخ أهل مكة يصفون الشافعي ويعرفونه من صغره، مقدما عندهم بالذكاء والعقل والصيانة، لم يُعرف له صبوة” وقال الربيع بن سليمان تلميذ الشافعي وخادمه وراوي كتبه ” لو وُزن عقل الشافعي بنصف عقل أهل الأرض لرجحهم، ولو كان من بني إسرائيل لاحتاجوا إليه ” وكما كان الإمام الشافعي.

 

إماما في الاجتهاد والفقه، كان كذلك إماما في الإيمان والتقوى والورع والعبادة ، فعن الربيع قال “كان الشافعي قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام” وكان رحمه الله لا يقرأ قرآنا بالليل إلا في صلاة، ويقول المزني “ما رأيت الشافعي قرأ قرآنا قَطُ بالليل إلا وهو في الصلاة” ولقد حفظ الشافعي وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريبا كتاب الموطأ للامام مالك ورحلت به امه الى المدينة ليتلقى العلم عند الامام مالك، ولازم الشافعي الامام مالك ست عشرة سنة حتى توفى الامام مالك وكان ذلك عام مائة وتسع وسبعون من الهجرة، وبنفس الوقت تعلم على يد العلامة ابراهيم بن سعد الانصاري، ومحمد بن سعيد بن فديك وغيرهم، وبعد وفاة الامام مالك قد سافر الإمام الشافعي الى نجران واليا عليها ورغم عدالتة.

 

فقد وشى البعض به الى الخليفة هارون الرشيد فتم استدعائه الى دار الخلافة وكان ذلك سنة مائة وأربعة وثمانون من الهجرة، وهناك دافع عن موقفه بحجة دامغة وظهر للخليفة براءة الشافعي مما نسب اليه واطلق سراحه، واثناء وجوده في بغداد أتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ ابي حنيفة وقرأ كتبه وتعرف على علم اهل الرأي ثم عاد بعدها الى مكة واقام فيها نحوا من تسع سنوات لينشر مذهبه من خلال حلقات العلم التي يزدحم فيها طلبة العلم في الحرم المكي ومن خلال لقاءه بالعلماء اثناء مواسم الحج وتتلمذ عليه في هذه الفترة الامام احمد بن حنبل، وقد نبغ على الإمام الشافعي كثير من الناس، في مقدمتهم أبو عبد الله أحمد بن حنبل، والحسن بن محمد الصباح الزعفراني، والحسين الكرابيسي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وأبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني.

 

وأبو محمد الربيع بن سليمان المرادي، والربيع بن سليمان الجيزي، وأبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، وأبو حفص حرملة بن يحيى بن عبد الله التجيبي، وأبو يوسف يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري، وعبد الله بن الزبير الحميدي، ثم عاد مرة اخرى الى بغداد سنة مائة وخمس وتسعون من الهجرة، وكان له بها مجلس علم يحضره العلماء ويقصده الطلاب من كل مكان، ومكث الشافعي سنتين في بغداد ألف خلالها كتابه الرسالة، ونشر فيها مذهبه القديم ولازمه خلال هذه الفترة أربعة من كبار اصحابه وهم احمد بن حنبل، وابو ثور والزعفراني والكرابيسي، ثم عاد الامام الشافعي الى مكة المكرمة ومكث بها فترة قصيرة غادرها بعد ذلك الى بغداد سنة مائة وثماني وتسعون من الهجرة، وأقام في بغداد فترة قصيرة ثم غادر بغداد الى مصر.

 

وقدم مصر سنة مائة وتسع وتسعون من الهجرة، وتسبقه شهرته وكان في صحبته تلاميذه الربيع بن سليمان المرادي وعبدالله بن الزبير الحميدي، فنزل بالفسطاط ضيفا على عبد الله بن عبد الحكم وكان من اصحاب الإمام مالك، ثم بدأ بالقاء دروسه في جامع عمرو بن العاص فمال اليه الناس وجذبت فصاحته وعلمه كثيرا من اتباع الامامين ابي حنيفة ومالك، وقد ظل في مصر خمس سنوات قضاها كلها في التأليف والتدريس والمناظرة والرد على الخصوم، وفي مصر وضع الشافعي مذهبه الجديد وهو الاحكام والفتاوى التي استنبطها بمصر وخالف في بعضها فقهه الذي وضعه في العراق وصنف في مصر كتبه الخالدة التي رواها عنه تلاميذه، ولم يُعرف لإمام قبل الإمام الشافعي من المؤلفات في الأصول والفروع والفقه وأدلته، بل في التفسير والأدب ما عرف للشافعي كثرة وبراعة وإحكاما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى