مقال

الإحسان ” جزء 2″

الإحسان ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع الإحسان، وقيل أنه جلس عجوز حكيم على ضفة نهر وفجأة لمح قط وقع في الماء، وأخذ القط يتخبّط محاولا أن ينقذ نفسه من الغرق، وقد قرر الرجل أن ينقذه فمدّ له يده فخربشه القط فسحب الرجل يده صارخا من شدة الألم، ولكن لم تمضي سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه، فخربشه القط، فسحب يده مرة أخرى صارخا من شدة الألم، وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة، وعلى مقربة منه كان يجلس رجل آخر ويراقب ما يحدث فصرخ الرجل أيها الحكيم، لم تتعظ من المرة الأولى، ولا من المرة الثانية وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة ؟ ولم يأبه الحكيم لتوبيخ الرجل، وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ القط، ثم مشى الحكيم باتجاه ذلك الرجل وربت على كتفه قائلا يا بني من طبع القط أن يخربش ومن طبعي أنا أن أحبّ و أعطف.

 

فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي ؟ ثم قال له ناصحا يا بني عامل الناس بطبعك لا بطبعهم, مهما كانوا ومهما تعددت تصرفاتهم التي تجرحك وتؤلمك في بعض الأحيان، ولا تأبه لتلك الأصوات التي تعتلي طالبة منك أن تترك صفاتك الحسنة لمجرد أن الطرف الآخر لا يستحق تصرفك النبيل، فعندما تعيش لتسعد الآخرين، سيبعث الله لك من يعيش ليُسعدك ” هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ” وإن الإحسان في العبادة هو أن تؤديها كما أمرك الله وكما بينها لك رسول الله، أن تجعلها خالصة لوجه الله، أن تؤديها تامة كاملة بأركانها وواجباتها وسننها ومستحباتها، أن تؤديها في أوقاتها إن كان لها وقت محدد، أن تجعلها عبادة تطهر بها قلبك وتزكي بها نفسك، وتغير بها سلوكك وتنمي بها أخلاقك، فمن لم يتغير سلوكه ولم تتحسّن أخلاقه بعبادته .

 

فليعلم أن عبادته ناقصة، فللعبادة الصحيحة أثر على الأخلاق وأثر على السلوك وأثر على المعاملة، والعبادة لا تخضع للأهواء ولا للآراء ولا لشهوة النفس ونزواتها بل هي ما شرعه الله تعالي وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فواجب على العبد أن يتحرى الصواب فيها، وأن يسأل أهل الذكر فيما لا يعلم، وإن من صور خلق الاحسان في حياتنا هو الإحسان في القول والعمل، فالقول ينبغي أن يكون طيبا حسنا مفيدا، فقد قال سبحانه وتعالى ” وقل لعبادي يقولوا التي أحسن” وقال عز وجل ” وقولوا للناس حسنا” فالواجب على المسلم هو أن يُعوّد لسانه على الكلام الطيب والقول الحسن، وأن يستعمله فيما ينفعه في دنياه وفي أخراه، وأن يمسكه عن كل قول سيئ وقبيح، فقد قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت” متفق عليه.

 

وكما أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان في العمل سواء أكان العمل في أمور الدين أو في أمور الحياة، فقال الله سبحانه” واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير” فالإسلام يدعو إلى إتقان العمل وزِيادة الإنتاج، ويعد ذلك أمانة ومسؤولية، فليس المطلوب في الإسلام مجرد القيام بالعمل، بل لا بد من الإحسان والإجادة فيه وأدائه بمهارة وإحكام، ولقد عانى النبى صلى الله عليه وسلم الكثير والكثير فى نشر الدعوه الى الله والى إعلاء كلمة التوحيد ولقد لاقى من العذاب الكثير والكثير ورأى صلى الله عليه وسلم أصحابه يتعذبون ويقتلون أمام عينه ولكن قد بشّرنا النبي صلى الله عليه وسلم بانتِصار الإسلام وظهوره مهما تكالبت عليه الأعداء، وتألبت عليه الخصوم، فعن تميم الداري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.

 

 

“ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يُعز الله به الإسلام، وذلا يُذل الله به الكفر” وإذا أردنا أن نصلح المجتمع، فإن علينا أن نعلم أن أي واقع لن يخلو من عناصر إيجابية وأخرى سلبية، ومهمة المصلح هو أنها لا تبدأ من الصفر، بل هي تنبيه الناس إلى الإيجابيات الموجودة بينهم وتقويتها، وتقليل السلبيات ومُحاصرتها، أي أن نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم، والقرآن الكريم له منهج رائع، وهو أنه يبدأ بذكر الإيجابيات ويؤخر ذكر السلبيات، حتى وإن كانت الإيجابيات قليلة والسلبيات هي الغالبة، فحين تحدث عن أهل الكتاب ونحن نعلم أن أكثرهم ضلوا الطريق فقد بدأ بذكر القلة التي ظلت ثابتة على إيمانها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى