مقال

الإمام الترمذي ” جزء 2″ 

الإمام الترمذي ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني الإمام الترمذي، وإن من مؤلفات الإمام الترمذي هو كتاب الجامع للسنن، وكتاب العلل الصغرى، وهو من ضمن كتاب الجامع، فهو مدخل له وجزء منه، وبيان لمنهجه، وقد نهل العلماء والفقهاء من جامعه هذا، وذاعت شهرته به، وقد قال الترمذي عنه “صنفت هذا المسند الصحيح وعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبيّ ينطق، ويعد كتاب السنن للإمام الترمذي من أهم كتب الحديث التي اعتنت بجمع أحاديث الأحكام كما فعل أبو داود، لكنه بيّن الحديث الصحيح من الحسن وقد عني بجمع أحاديث الأحكام كما فعل أبو داود، إلا أنه بيّن الحديث الصحيح من الضعيف، وذكر مذاهب الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار.

 

ويقول الشوكاني مثنيا على سنن الترمذي “كتاب الترمذي أحسن الكتب وأكثرها فائدة، وأحكمها ترتيبا، وأقلها تكرارا، وفيه ما ليس في غيره من المذاهب ووجوه الاستدلال، والإشارة إلى ما في الباب من الأحاديث، وتبيين أنواع الحديث من الصحة والحسن والغرابة والضعف، وفيه جرح وتعديل، ومن أحسن شروحه المطبوعة الكاملة ، كتاب”عارضة الأحوذي للقاضي أبي بكر بن العربي” وكتاب “تحفة الأحوذي للحافظ المباركفوري” وكتاب “معالم السنن للإمام الخطابي، وقد تميز جامع الترمذي بأنه وضع فيه مصنفه قواعد التحديث، وكانت في غاية الدقة، وقد جعلها تحت عنوان كتاب العلل، بحيث أدرجت ضمن أبواب الجامع، وقد ذكر الترمذي في أول كتاب الجامع أن الذي حمله على تسطير هذا المنهج في الجامع من العناية بأقوال الفقهاء وقواعد التحديث وعلله.

 

أنه رأى الحاجة إلى ذلك شديدة، ولأجل هذا الهدف أراد أن يسلك مسلك المتقدمين، وذلك بأن يزيد ما لم يسبقه إليه غيره ابتغاء ثواب الله عز وجل، ومن مزايا الجامع وخصائصه الفريدة التي امتاز بها، أنه يحكم على درجة الحديث بالصحة والحسن والغرابة والضعف على حسب حالة الحديث؛ فيقول بعد إيراد الحديث حسن صحيح، أو حسن صحيح غريب ، وقد يقول هذا حديث حسن غريب من حديث فلان وهذا يعني أن الغرابة في الإسناد، وإن كان للحديث روايات أخرى ليست غريبة، فإذا لم ترد طرق أخرى يقول غريب لا نعرفه من غير هذا الوجه، وإذا كان في الحديث علة بيّنها، فنراه يقول هذا الحديث مرسل لأن فلانا تابعي، فهو لم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن فلانا لم يروِ عن فلان، إذ لم يثبت له لقيّا معه، ولقد قال أبو يعلى الخليل بن عبد الله.

 

في كتابه علوم الحديث “محمد بن عيسى بن سورة بن شداد الحافظ متفق عليه، له كتاب في السنن، وكتاب في الجرح والتعديل، روى عنه أبو محبوب والأَجلاء، وهو مشهور بالأمانة والإمامة والعلم، وقال ابن الأثير كان الترمذي إماما حافظا، له تصانيف حسنة، منها الجامع الكبير، وهو أحسن الكتب” وقال الإمام الذهبي “الحافظ العالم، صاحب الجامع، ثقة، مجمع عليه” وقال عنه ابن العماد الحنبلي كان مُبرزا على الأقران، آية في الحفظ والإتقان، وقال عنه الإمام السمعاني هو إمام عصره بلا مدافعة، وكان الترمذى يعتني كل العناية في كتابه بتحليل الحديث، فيذكر درجته من الصحة أو الضعف، ويفصل القول في التعليل والرجال تفصيلا جيدا، ولذلك صار كتابه هذا كأنه تطبيق عملي لقواعد علوم الحديث، خصوصا علم العلل، وصار أنفع كتاب للعالم والمتعلم.

 

وللمستفيد والباحث، في علوم الحديث، وقد توفى الإمام الترمذي رحمه الله ببلدته بُوغ، في شهر رجب سنة مائتان وتسع وسبعون من الهجرة، بعد حياة حافلة بالعلم والعمل، وقد أصبح الترمذي ضريرا في آخر عمرة، بعد أن رحل وسمع وكتب وذاكر وناظر وصنف، ولا شك أن بيان فضل العلماء يستلزم بيان فضل العلم لأن العلم أجلّ الفضائل، وأشرف المزايا، وأعز ما يتحلى به الإنسان، فهو أساس الحضارة، ومصدر أمجاد الأمم، وعنوان سموها وتفوقها في الحياة، ورائدها إلى السعادة الأبدية، وشرف الدارين، والعلماء هم حملته وخزنته، ومن أجل هذا جاءت الآيات والأخبار لتكريم العلم والعلماء، والإشادة بمقامهما الرفيع، وتوقيرهم في طليعة حقوقهم المشروعة لتحليهم بالعلم والفضل، وجهادهم في صيانة الشريعة الإسلامية وتعزيزها، ودأبهم على إصلاح المجتمع الإسلامي وإرشاده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى