مقال

الدكرورى يكتب عن الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث ” جزء 1″

الدكرورى يكتب عن الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث ” جزء 1″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

إن من أعظم الأمور هو توقير العلماء، والاعتراف بفضلهم ومنزلتهم، فسمعتهم الطيبة على الألسن مذكورة، وهيبتهم في صدور الناس محفوظة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر” رواه أبو داود، والإمام أبو داود هو أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق الأزدي السجستانى، وهو أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله، وصاحب السنن، وقد وُلد بسجستان سنة اثنتين ومائتين من الهجرة.

 

في إقليم صغير مجاور لمكران أرض البلوش الازد يُدعي سجستان وهو اقليم في إيران يسمى حاليا سيستان بلوچستان، وتنقل بين العديد من مدن الإسلام، وهو والد أبي بكر عبد الله بن أبي داود، من أكابر الحفاظ ببغداد، وكان عالما متفقا عليه، وله كتاب المصابيح، وكان أبو داود رحمه الله على مذهب السلف في اتباع السنة والتسليم لها، وترك الخوض في مضائق الكلام، ونشأ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى محبا للعلم شغوفا به، وكان همه منذ نعومة أظافره طلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتدوينه، وقد بدت عليه أمارات النجابة منذ صباه، وكان لكونه من تلامذة الإمام البخاري فقد كان له تأثير خاص فيه، إذ إنه أفاد منه أيما إفادة، وقد سلك في العلم سبيله، وفوق ذلك فكان يشبه الإمام أحمد بن حنبل في هديه ودله وسمته.

 

وقد قال عنه ابن خلكان كان في الدرجة العالية من النسك والصلاح وكان أبو داود كغيره من علماء عصره وكسنة متبعة بين علماء الحديث، فقد طوف أبو داود البلاد، وارتحل إلى أمصار الحضارة الإسلامية في طلب الحديث ومشافهة الشيوخ والتلقي عليهم، ولقد لقي خلال هذه الرحلات عددا كبيرا من كبار الحفاظ والمحدثين، فكتب عن العراقيين والخراسانيين والشاميين والمصريين، وسمع أبا عُمر الضرير، ومسلم بن إبراهيم، وأحمد بن حنبل، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن رجاء، وأبا الوليد الطيالسي، وأحمد بن يونس، وأبا جعفر النفيلي، وأبا توبة الحلبي، وسليمان بن حرب، وخلقا كثيرا بالحجاز والشام ومصر والعراق والجزيرة والثغر وخراسان، وحين وهب أبو داود حياته لعلم الحديث كان له تلاميذ كثيرون، يتعلمون منه ويروون عنه.

 

وكان أشهر من روى عنه وتتلمذ على يده الإمام الترمذي، والإمام النسائي، وابنه الإمام أبو بكر بن أبي داود، وأبو عوانة، وأبو بشر الدولابي، وعلي بن الحسن بن العبد، وأبو أسامة محمد بن عبد الملك، وأبو سعيد بن الأعرابي، وأبو علي اللؤلؤئي، وأبو بكر بن داسة، وأبو سالم محمد بن سعيد الجلودي، وأبو عمرو أحمد بن علي، وغيرهم، وكان أبو داود رحمه الله من المكثرين في التأليف، وخصوصا في فنون علم الحديث رواية ودراية، فمن مؤلفاته هو كتاب دلائل النبوة، وكتاب التفرد في السنن، وكتاب المراسيل، وكتاب المسائل التي سئل عنها الإمام أحمد بن حنبل، وكان لأابى داود منزله عظيمه عند الأمراء، فقد قال أبو بكر بن جابر خادم أبي داود رحمه الله، كنت مع أبي داود ببغداد، فصلينا المغرب، فجاءه الأمير أبو أحمد الموفق أى ولي العهد فدخل.

 

ثم أقبل عليه أبو داود، فقال ما جاء بالأمير في مثل هذا الوقت؟ قال خلال ثلاث، قال وما هي؟ قال تنتقل إلى البصرة فتتخذها وطنا، ليرحل إليك طلبة العلم، فتعمر بك، فإنها قد خربت، وانقطع عنها الناس، لما جرى عليها من محنة الزنج، فقال هذه واحدة، قال وتروي لأولادي أى السنن، قال نعم، هات الثالثة، قال وتفرد لهم مجلسا، فإن أولاد الخلفاء لا يقعدون مع العامة، قال أما هذه فلا سبيل إليها، لأن الناس، شريفهم ووضيعهم، في العلم سواء، وقال ابن جابر فكانوا يحضرون ويقعدون في مكان قريب، عليه ستر، ويسمعون مع العامة، وإن الذي ذاع صيت أبي داود وزاده شهرة هو كتابه العظيم المعروف بسنن أبي داود، وهو كتاب يأتي في المرتبة بعد صحيح البخاري وصحيح مسلم في الشهرة والمكانة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى