مقال

عبد الله بن المبارك المروزي.

عبد الله بن المبارك المروزي.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

عبد الله بن المبارك المروزي هو عالم وإمام مجاهد مجتهد في شتى العلوم الدينية والدنيوية، وكان اسمه عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي ومولاهم أبو عبد الرحمن المروزي، وقيل أنه كانت أم عبد الله بن المبارك خوارزمية وأبوه تركي، وكان عبدا لرجل من التجار من همذان من بني حنظلة، وقيل أنه كانت أم ابن المبارك تركية، وكان الشبه لهم بينا فيه وكان ربما خلع قميصه فلا أرى على صدره أو جسده كثير شعر، وقد ولد ابن المبارك سنة ثماني عشرة ومائة، فى بلده تسمى مرو وهي من مدن خراسان، وقال ابن المبارك ذاكرني عبد الله بن إدريس السن فقال ابن كم أنت فقال إن العجم لا يكادون يحفظون ذلك ولكني أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عندما خرج أبو مسلم قال، فقال لي قد ابتليت بلبس السواد، قلت إني كنت أصغر من ذلك.

 

وكان أبو مسلم أخذ الناس كلهم بلبس السواد الصغار والكبار، وكان أبو مسلم في بداية الدولة العباسية قد ألزم الرعية كبارا وصغارا بلبس السواد، وكان ذلك شعارهم إلى آخر أيامهم، وكان من أقول عبد الله بن المبارك، أنه قال الدنيا سجن المؤمن، وأعظم أعماله في السجن الصبر وكظم الغيظ، وليس للمؤمن في الدنيا دولة، وإنما دولته في الآخرة، وليس من الدنيا إلا قوت اليوم فقط، وقد سئل عن قول لقمان لابنه إن كان الكلام من فضة فإن الصمت ذهب، فقال معناه لو كان الكلام بطاعة الله من فضة، فإن الصمت عن معصية الله من ذهب، وكان يكثر الجلوس في بيته فقيل له ألا تستوحش ؟ فقال كيف أستوحش وأنا مع النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه؟ وكان يعتزل مجالس المنكر واغتياب الناس فقيل له إذا صليت معنا لم لا تجلس معنا؟

 

قال أذهب مع الصحابة والتابعين، قيل له ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال أذهب أنظر في علمي فأدرك آثارهم وأعمالهم، فما أصنع معكم وأنتم تغتابون الناس، وكما كان مستجاب الدعوة، فقد دعا للحسن بن عيسى وكان نصرانيا اللهم ارزقه الإسلام، فاستجاب الله دعوته فيه، وقال ابن المبارك، الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، وكان من كتبه هو كتاب الزهد، وقد نشأ ابن المبارك في أسرة متواضعة، فقد كان أبوه أجيرا بسيطا يعمل حارسا لبستان أحد الأثرياء، غير أن والده هذا كان سبب رخائه أورثه المال وافرا مدرارا، وإن المتأمل لهذا المال الذي وصف بأنه مدرارا ليعلم أنه سبب الخير كله، فقد اكتسبه والده المبارك، بجد وجهد وكفاح وصبر، فكان ثمرة يانعة مقنعة لرجل ورع، حريص على أداء حق العمل.

 

فلم يرضي إلا أن يشغل كل وقته في العمل تحريا للأجر الحلال، فلم يتطلع يوما للأكل من البستان، وهو ما يكتشفه صاحب البستان، ويتعجب له، ففي إحدى زياراته طلب منه رمانة يأكلها، فجاءه بواحدة، فوجدها حامضة، فطلب منه واحدة أخرى، فكانت كذلك، فقال له كم لك في هذا البستان وأنت لا تعرف الحامض من الحلو؟ فقال مبارك، صادقا، وكيف أعرف وأنا لم أذق شيءا منه، فتعجب صاحب البستان، وقال ألا تتمتع ببعض ما هو تحت يديك؟ قال مبارك لم تأذن لي في ذلك، فكيف أستحل ما ليس لي؟ سكت الرجل مندهشا وقال له فقد أذنت، من الآن فكل، فكان الأب صالحا فاستخرج عبد الله كنزا، وحصّل علما وأدبا وفقها ما زالت تتوارثه الأجيال، ومن المهم أن ابن المبارك ولد في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك وكانت أمه خوارزمية .

 

فطلب العلم وهو ابن عشرين سنة فأقدم شيخ لقيه هو الربيع بن أنس الخراساني تحيل ودخل إليه إلى السجن فسمع منه نحوا من أربعين حديثا ثم ارتحل في سنة إحدى وأربعين ومائة وأخذ عن بقايا التابعين وأكثر من الترحال والتطواف وإلى أن مات في طلب العلم وفي الغزو وفي التجارة والإنفاق على الإخوان وتجهيزهم معه إلى الحج، وعاش إلى سنة مائه وواحد وثمانين من الهجره، حيث توفي في خلافة هارون الرشيد، وقد اتفقت جميع المصادر على أنه كان طلابا للعلم نادر المثال، ورحل إلى جميع الأقطار التي كانت معروفة بالنشاط العلمي في عصره فيه ويقول عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول كان ابن المبارك ربع الدنيا بالرحلة في طلب الحديث، لم يدع اليمن ولا مصر ولا الشام ولا الجزيرة والبصرة ولا الكوفة.

 

وقد شهد له أحمد بن حنبل بذلك أيضا،وكان ابن المبارك يقول خصلتان من كانتا فيه نجا، الصدق، وحب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان ينشد العلم حيث رآه ويأخذه حيث وجده، لا يمنعه من ذلك مانع، وقد كتب عمن هو فوقه، وعمن هو مثله، وتجاوز ذلك حتى كتب العلم عمن هو أصغر منه، وقد روي أنه مات ابن له فعزاه مجوسي فقال ينبغي للعاقل أن يفعل اليوم ما يفعله الجاهل بعد أسبوع، فقال بن المبارك اكتبوا هذه، وقد بلغ به ولعه بكتابة العلم مبلغا جعل الناس يعجبون منه، فقد قيل له مرة كم تكتب؟ قال لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد، وعابه قومه على كثرة طلبه للحديث فقالوا إلى متى تسمع؟ فقال إلى الممات، وعمل على جمع أربعين حديثا وذلك تطبيقا للحديث النبوي القائل.

 

“من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله تعالى يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء” وتوفي بن المبارك في مدينة هيت بمحافظة الانبار بغرب العراق سنة مائه وواحد وثمانين هجرية وقبره معلوم وقد شيد الناس على قبره مقام وجامع مع انه رضي الله عنه ضد المقامات على القبور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى